للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوقعَ الرُّعبُ في قلوبِ الكفارِ، وقال صفوانُ بن أميةَ: لا ترجعوا فإني أَرى أَنَّهُ سيكونُ للقوم قتالٌ غير الذي كان، فنَزلت هذه الآية في هذا الإلقاء». (١) وهذه القصة على طولها تُبَيّنُ سببَ النّزول أَتَمَّ بيانٍ، غير أَنَّ شِعرَ معبد الذي قاله قد تناقلَهُ كُلُّ مَنْ ذَكرَ هذه القصة، توثيقًا لها، واستشهادًا بهذا الشعر على هذه القصة. (٢)

وهذه القصة والأبيات ذكرها القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢)} [آل عمران: ١٧٢]. (٣)

ثانيًا: بيان حال العرب قبل نزول القرآن وعاداتهم.

من الأهمية بِمكانٍ لكل مسلم معرفة ما كان عليه أهل الجاهلية في جَميع أمورهم إدراكًا لنعمة الله بهذا الدين، وحذرًا مِمَّا نَهى عنه الشرع القويم. وهذه المعرفة تزداد أهميتها للمفسِّر؛ إذ عليه أن يكون ملمًّا بعادات العرب في الجاهلية، مطلعًا على أقوالهم، متعرفًا على أفعالهم، واقفًا على حياتِهم الاجتماعيةِ، وأَيامهم، وحُروبِهم، وتاريخهم وأديانهم؛ لأن القرآن الكريم فيه آيات كثيرة تعرضت إلى ذلك، فإذا لم يكن المفسر عارفًا بأحوالهم حالةَ التنْزيلِ لم يفهم معاني الآيات على وجهها الصحيح، ولم يدرك الأثر العظيم الذي أحدثه القرآن في تغيير حياة العرب، وإبطال الفاسد من عاداتهم. (٤) ولذلك قال الشاطبي وهو يبين أهمية معرفة سبب النُّزولِ للمفسِّر: «معرفةُ عاداتِ العَربِ في أقوالِها وأَفعالِها ومَجاري أَحوالِها حَالةَ التنْزيلِ - وإنْ لم يكن ثمَّ سببٌ خاصٌّ -


(١) المحرر الوجيز (قطر) ٣/ ٣٦٧ - ٣٦٨.
(٢) انظر: السيرة النبوية ٢/ ١٣٠.
(٣) آل عمران ١٧٢، انظر: الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٢٧٨.
(٤) انظر: بحوث في أصول التفسير للصباغ ١٨٧، تفسير القرآن الكريم أصوله وضوابطه للدكتور العبيد ٩٧.

<<  <   >  >>