للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لابُدَّ لِمَن أرادَ الخوضَ في عِلمِ القرآنِ منه، وإِلاَّ وقعَ في الشُّبَهِ والإشكالاتِ التي يتعذَّرُ الخروجُ منها إِلَّا بِهذهِ المعرفةِ». (١)

ومن ذلك بيان عادة العرب في النسيء والمقصود به من خلال أشعارهم الباقية المَحفوظة. ومن أمثلة ذلك:

١ - قال ابن قتيبة عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (٩)} [الجن: ٩] (٢): «روى عبد الرزاقِ عن مَعْمرَ عن الزهريِّ عن علي بن حسين عن ابن عباس أَنَّهُ قال: «بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ في نَفَرٍ من الأنصارِ إِذ رُمِيَ بنجمٍ فاستنارَ، فقالَ: ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟ فقالوا: كنا نقول: يَموتُ عظيمٌ، أو يُولَدُ عظيم ... في حديثٍ فيه طولٌ اختصرناهَ وذكرنا هذا منهُ؛ لِنَدلَّ على أَنَّ الرجمَ قد كانَ قبلَ مبعثهِ، ولكنهُ لم يكن مثلَهُ الآنَ في شدةِ الحراسةِ قبل مبعثهِ، وكانت تَسترقُ في بعضِ الأحوال، فلما بُعِثَ مُنعت من ذلك أصلًا، وعلى هذا وجدَنا الشعراءَ القدماء. قال بشرُ بن أبي خازمٍ الأسديِّ وهو جاهليٌّ:

والعَيْرُ يُرهِقُها الغُبَارُ وجَحْشُها ... يَنْقَضُّ خَلْفَهُما انقضَاضَ الكَوكَبِ (٣)

وقال أوسُ بن حَجَر وهو جاهلي:

وانقضَّ كالدُّريِّ يَتبعُهُ ... نَقْعٌ يَثُورُ تَخالُهُ طُنُبَا (٤)» (٥).

فقد استشهد ابن قتيبة بِهذه الأبيات للاستدلال على الأحوال التي كانت في الجاهلية قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأَنَّ العَربَ كانتْ تعرفُ انقضاضَ الشُّهبِ، وقد شكَّكَ الجاحظُ في معرفة العرب لانقضاض


(١) الموافقات ٤/ ١٥٤.
(٢) الجن ٩.
(٣) رواية الديوان (الخَبَارُ) بدل (الغُبار)، والخَبَارُ هو أَرضٌ لينةٌ رِخوة تَسوخُ فيها القوائم. انظر: ديوانه ٨١.
(٤) انظر: ديوانه ٨٩.
(٥) تأويل مشكل القرآن ٤٢٩ - ٤٣٠.

<<  <   >  >>