للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - عند تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨] (١) ذكر المفسرون مَوقعَ عَرفاتٍ، وأَنَّها أَحَدُ مشاعرِ الحج جنوبَ مكة، وكانت تُسمَّى نَعمانَ الأَراكِ لكثرة شجر الأراك بها، قال ابن عطية: «وعَرَفَةُ هي نَعمانُ الأَراكِ، وفيها يقولُ الشاعر (٢):

تَزوَّدْتُ مِنْ نَعْمَانَ عُودَ أَراكةٍ ... لِهِنْدٍ، ولكنْ مَنْ يُبلِّغُهُ هِندا (٣)». (٤)

وعرفات من المواضع المشهورة التي لا تجهل، وإنما استشهد ابن عطية بالشاهد للاستدلال على صحة قوله أنها نعمان الأراك. وهذا النوع من الشواهد الشعرية الجغرافية يحتاج إلى فضل معرفة بطبيعة الأرض التي ترد أسماؤها في الشعر، لا مجرد سماعها في الشعر دون معرفة سابقة، ولذلك كان العرب يعرفون أسماء المواضع والموارد في الجزيرة، مع بصر بلغة الشعر، وفهم دقيق لها، ولذلك كانوا ينتفعون بمثل ذلك. ومن الأمثلة الشاهدة لهذا ما ذكر من أَنَّ جَماعةً من أهل اليمن يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلوا الطريق ووقعوا على غيرهم، ومكثوا مليًا لا يقدرون على الماء، وجعل الرجل منهم يستذري بفيء السمر والطلح، فأيسوا من الحياة، إذا أقبل رجل على بعير، فأنشد قول امرئ القيس:

تيمَّمَتِ العَيْنَ التي عند ضارجٍ ... يفئُ عليها الظلُّ عَرْمضُها طامي (٥)

قال الراكب: من يقول هذا؟ قال: امرؤ القيس، قال: والله ما كذب، هذا ضارِجٌ عندكم، وأشار لهم إليه. فحبوا على الرُّكَبِ، فإذا مَاءٌ عِدٌّ، وإذا عليه الغرمض والظل بفيء عليه. فشربوا منه ريهم وحملوا منه ما اكتفوا به حتى بلغوا الماء. فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه وقالوا: يا


= في القرآن الكريم لسعد بن جنيدل ١٣٧ - ١٥٢.
(١) البقرة ١٩٨.
(٢) هو المرقش الأكبر.
(٣) انظر: الأغاني ١١/ ٣٥٠، رسالة الغفران ٣٤٨.
(٤) المحرر الوجيز ٢/ ١٢٧.
(٥) العِرْمِض: الطحلب. انظر: الشعر والشعراء ١/ ١١٢، خزانة الأدب ١/ ٣٣٥.

<<  <   >  >>