للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أيِ: العَذاب الذي أنتُم فيه {بِأَنَّهُ} أي: بسبَب أنه في الدُّنيا {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ}]، إذا دُعِيَ الله وحدَه كفَرْتم وأَشرَكْتم، وقُلْتم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٥].

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{كَفَرْتُمْ} بتَوْحيده {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ} يُجعَل له شَريك {تُؤْمِنُوا} تُصدِّقوا بالإِشْراك].

وهذا هو الواقِعُ: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)} [الزمر: ٤٥]، فهُمْ يُصدِّقون بقُلوبهم، وَيستَبشِرون بألسِنتهم، وهذا الإيمانُ في الواقِع قد نَقول: إنه إيمان حَقيقيٌّ، وقد نَقول: إنه إيمان دعَويٌّ، يَعنِي: أنَّه دَعْوة، وأنهم في قَرارة أنفُسِهم يُؤمِنون بالله، وانظُروا إلى أَكفَر أهل الأرض فِرعونَ، كيف أَنكَر الخالِق، وادَّعى الرُّبوبية، وقال لقَوْمه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨]، ومع ذلك كان مُؤمِنًا في قَرارة نَفْسه، قال له مُوسى وهو يُحاوِرُه: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: ١٠٢].

هذه الآيةُ أَقولُ لك: تَدُلُّ على أن فِرعونَ كان مُؤمِنًا برُبوبية الله، وذلك لأنه لمَّا قال له مُوسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لم يَقُل: لم أَعلَم، وهو في مَقام يَرَى نفسه أعلى من موسى، يَعنِي: يَستَطيع أن يُنكِر دعوى موسى لو كان يُنكِر ذلك، لكنه يُقِرُّ بأن الله أَنزَل التَّوراة على موسى عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَيدُلُّ لهذا قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]. ولهذا لا يُمكِن لأَحَد عاقِل - وأُريد بالعاقِل مَن سِوى المَجنون - أن يُنكِر أنَّ لهذا

<<  <   >  >>