يَعبُدونهم عِبادة التَّقرُّب، لكن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ قال لعَديِّ بنِ حاتِم:"أَلَيْسُوا يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ الله، فَتُحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ الله فَتُحَرِّمُونَهُ؟ " قال: نعَمْ. قال:"فَتِلْكَ عِبَادَتهمْ"(١) فهذه عِبادة اتِّباع، وغالِب عِبادة المُشرِكين تَقرُّب وتَعظيم.
فإن قال قائِل: ماذا يُقصَد بقول بعض المفَسِّرين في قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} يَقول: "فيه مَتروك استُغنِيَ عنه بدَلالة الظاهِر عليه، ومجَازُه ألَّا سبيلَ إلى ذلك"؟
فالجوابُ: هذا قَصْده لمَّا قالوا: {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر: ١١]، كأنه قال: لا سَبيلَ إلى الخُروج؛ لأنكم قدَّمتم لأنفسكم ما لا يُمكِن معه الخُروج، وهو أنه إذا دُعِيَ الله وحدَه كفَرْتم وإن يُشرَك به تُؤمِنوا.
قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَالْحُكْمُ} في تَعذيبكُم {لِلَّهِ الْعَلِيِّ} على خَلْقه {الْكَبِيرِ} العَظيم]. يَعنِي: فبِناءً على أَنكم في هذه الحالِ يَكون حُكْمكُم إلى الله، فالفاء حينَئذٍ تَكون؛ إمَّا للاستِئْناف، وإمَّا للتَّفريع على ما سبَق. يَعنِي: فبِناءً على ذلك يَكون الحُكْم في أَمرِكم إلى الله، الحُكْم في تَعذيبكم لله وحدَه، واللَّام تَكون بمَعنَى الغاية أحيانًا، كما تَقول: ولله تُرجَع الأمور. بمَعنى: إلى الله، وهنا الحُكْم لله. أي: إلى الله. أي: أن حُكْمكم يَنتَهي إلى الله، ويُحتَمَل أن يَكون المَعنى: الحُكْم لله. أي: مُستَحِقٌّ له لا يُشارِكه فيه أحَدٌ.
وقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْعَلِيِّ} على خَلْقه] عُلوَّ ذات، وعُلوَّ صِفة، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عالٍ على خَلْقه في ذاته فوقَ كل شيء، وعالٍ على خَلْقه في صِفاته، قال
(١) أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٩٥).