فنُجيب بأنه غلَط، كيف يُراد به شيء واحِد ويُكرِّره الله بألفاظ مُتعَدِّدة؟ ! والأصل أنَّ اختِلاف اللَّفْظ يَدُلُّ على اختِلاف المَعنى، لكن بعض العُلَماء قال: إنَّ وَصْف الحاكِم بالكُفْر لا يَمنَع من وَصْفه بالفِسق؛ لأن الله تعالى وصَف الكُفَّار بالفِسْق، فقال تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}[السجدة: ٢٠]، ووصَف الكافِرين بالظُّلْم، فقال:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: ٢٥٤]، فجعَل هذه الأوصافَ الثلاثةَ لمَوْصوف واحِد، ولا مانِعَ من أن يُوصَف الإنسان بعِدَّة أَوْصاف، فالكافِر لا شَكَّ أنه ظالِم، ولا شَكَّ أنه فاسِق خارِج عن الطاعة، بل فِسْقه فِسْق مُطلَق، وفِسْق المُؤمِن العاصِي فِسْق مُقيَّد، ولكننا إذا جعَلْنا اختِلاف هذه الألفاظِ مُنزَّلًا على أحوال كان أَبلَغَ؛ لأننا نَقول: الكُفْر مُتضَمِّن للظُّلْم والفِسق، فدَلالته عليه بالالتِزام، فيَكون مجُرَّد وَصْفنا إيَّاه بالكُفْر هو وصف له بالظُّلْم والفِسق.
ثُم نَستَفيد فائِدة جديدة بالحُكْم بغير ما أَنزَل الله، حيث يَكون ظُلْمًا مَحضًا لا كُفرًا أو فِسْقًا لا كُفرًا.
وأَقول: إن كوننا نَجعَل الاختِلاف في اللفظ اختِلافًا في المَعنى أَحسَنُ؛ لأن هذا هو الأَصْل، وقد قال العُلَماء في هذه المَسأَلةِ: حَمْل الكلام على التَّأْسيس أَوْلى من حَمْله على التوكيد.
فإن قال قائِل: العُلَماء يَقولون في مِثْل مَن لم يَحكُم بما أَنزَل الله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]: إذا استَحَلَّه، أمَّا إذا لم يَستَحِلَّه فهذا غير كافِر؟
فالجوابُ: الذي يَضَع القانون بدَلًا عن القانون السَّماويِّ هل استَحَلَّه أو لا؟