للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائِل: هل لهذا نَظائِرُ؟

قلنا: نعَمْ، قد يَبتَلِي الله الإنسانَ بتَيْسير أَسباب المَعْصية، ابتِلاءً؛ ليَعلَم الله مَن يَخافُه بالغيب، كما ابتَلى بني إِسرائيلَ بالحِيتان؛ حرَّم الله عليهم صَيْد الحوت في يوم السَّبْت، وابتَلاهم، فكانَتِ الحِيتان في يوم السَّبْت تَأتِي شُرَّعًا على الماء بكَثْرة، وفي غير يوم السَّبْت لا تَأتِي، فطال عليهم الأمَدُ، وقالوا: لا بُدَّ أن نَصطاد هذا السمَكَ، ولكن يوم السَّبْت محُرَّم علينا، فماذا العمَلُ؟ قالوا: هناك حِيلة - واليَهود أصحاب حِيَل - ضَعوا شبَكة يوم الجُمُعة، وتَأتِي الحِيتان يوم السَّبْت تَدخُل، وخُذوا الحِيتانَ يوم الأحَد، وقولوا لله: إنَّنا لم نَصطَد يوم السَّبْت؛ فماذا عُومِلوا به؟ {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥]، قلَبَهم الله - عَزَّ وَجَلَّ - إلى شيء يُشبِه الإنسان وليس بإنسان؛ كما صنَعوا شيئًا يُشبِه الحِلَّ وليس بحِلٍّ، جَزاءً وِفاقًا.

هذه الأُمَّةُ حرَّم الله عليهم الصيد في حال الإحرام؛ فابتَلاهُمُ الله، بدَأَت الصُّيود تَأتِي بكَثْرة، الصيد الطائِر يَناله الرُّمْح، والصيد الزاحِف تَناله اليَدُ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} [المائدة: ٩٤] فصارَتِ الصُّيود الطائِر يَنالُه الإنسان برُمْحه، مع أنَّه لا يُنال الطائِرُ إلَّا بالسَّهْم، والزاحِف باليَدِ؛ فالصحابة - رضي الله عنهم - تَجنَّبوا هذا، لا أَمسَكوا باليَدِ، ولا صادوا بالرُّمْح.

فأَنْت احْذَرْ يا أيُّها المُسلِم، واحذَرْ أن تَنخَدِع، إذا تَيسَّرَت لك أسباب المَعْصية؛ فان الله تعالى قد يَبتَليك، ربَّما يَبتَلي الله الإنسانَ بوَظيفة، يَستَطيع أن يَسرِق فيها من بيت المال، إمَّا سرِقة حَقيقية - يَعنِي: يَأخُذ دَراهِمَ - وإمَّا سرِقة غير مُباشِرة، بأن

<<  <   >  >>