للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: سَمْع بمَعنى إدراك المَسموع، وهذا يَنقَسِم إلى ثلاثة أقسام: الأوَّل: ما يُراد به التَّهديد، والثاني: ما يُراد به التَّأييد، والثالث: ما يُراد به بَيانُ شمول سَمْع الله؛ يَعنِي: سَمْع الإحاطة.

مِثال الأوَّل الذي يُراد به التَّهديد: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف: ٨٠]؛ ولهذا قال: {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}.

ومِثال سَمْع التَّأْييد: قولُه تعالى لموسى وهارُونَ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦].

ومثال ما يُراد به سَمْع الإحاطة، مِثْل قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: ١].

فإن قال قائِل: ألَا يَشمَل قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} سَمْع إحاطة؟

فالجوابُ: السَّمْع هنا سَمْع إحاطة، لكنه يُراد به النَّصْر والتَّأييد، لأنَّ مُجرَّد الإحاطة حتى فِرعونُ يَسمَعه الله - عَزَّ وَجَلَّ.

فصار يُقسِّم السَّمْع إلى قِسْمين: سَمْع إجابة وسَمْع إدراك؛ والإدراك ثلاثة أقسام، وإن شِئْت فقُلْ: ثلاثة أنواع؛ لئَلَّا تَتَداخَل الأقسام: سَمْعٌ يَقتَضي التَّهديد، وسَمْع يَقتَضي التَّأييد، وسَمْع لبيان الإحاطة. وكلُّ هذا ثابِت لله - عَزَّ وَجَلَّ -.

فإن قال قائِل: ما الذي يُعيِّن أنَّ هذا السَّمعَ للتَّأييد أو للتَّهديد أو للإِحاطة؟

قُلنا: سِياق الكلام وقرائِن الأحوال؛ ولهذا يُمكِن أن يُقال في قول الله تعالى لموسى وهارونَ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} يُمكِن أن يُقال: إن هذا

<<  <   >  >>