للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّمعَ للتَّأييد والتَّهديد؛ تَأييد موسى وهارونَ، وتَهديد فِرعونَ، لكن يَمنَع من القول بأنّه من تَهديد فِرعونَ، أنَّ فِرعونَ لم يَكُن يَسمَع هذا الكلامَ من الله، فكيف يُهدَّد مَن لا يَسمَع التَّهديد؟ ! ولهذا قال العُلَماء: إن السَّمْع في هذه الآيةِ للتَّأييد، ولم أَرَهُم قالوا: إنه للتَّهديد، ولا لتَهديد فِرعونَ، ووَجهُ ذلك أن فِرعونَ الآنَ ليس يَسمَع ما يَقول الله - عَزَّ وَجَلَّ -، فكيف يُهَدَّد مَن لا يَسمَع التَّهديد؟ ! .

أمَّا البَصير فهو بمَعنى: ذو البَصَر الثاقِب، الذي لا يَغيبُ عن نظَره شيءٌ - عَزَّ وَجَلَّ - أيُّ حرَكة وأيُّ فِعْل فإن الله تعالى يُبصِره.

وإذا كان يُبصِر كلَّ شيء، فكَيْف مَوقِفنا في مثل قوله: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ" (١) قال: "وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ" فنَفى النظَر إليهم، نَقول: النظَر المُثبَت غير النظَر المَنفيِّ، المَنفيُّ هو نظَر الرَّحمة، والمُثبَت نظَر الإحاطة؛ فالله تعالى يَنظُر كلَّ شيء نظَر إحاطة، حتى المَغضوب عليهم، مَنْظُورون أمام الله - عَزَّ وَجَلَّ -، لكن نظَر إحاطة، وأمَّا المَنفيُّ فهو نظَر الرَّحمة، "لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ" وبهذا تَلتَئِم الأدِلَّة، ويَتبيَّن أنَّه لا تَعارُضَ بينها.

وهناك بصَر بمَعنَى العِلْم، لكن المُتبادِر منه الرؤية كما سبَق.

فإن قال قائِل: نظَر الرَّحمة هل هو نَفْس رحمة الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وما المَقْصود بالنظَر؟

فالجَوابُ: المَقصود أنَّ الله يَنظُر إليه نظَرًا يَرحَمه به، ليس هو بنَفْس الرَّحمة، ولهذا تُفرِّق الآنَ بين النَّظَر إلى ولَدِك الذي أَرضاك، والنظَر إلى ولَدِك الذي أَغضَبك، ولَدُك الذي أَرضاك تَنظُر إليه نظَرًا بارِدًا، وهو يَشْعُر بأنَّ عينَك قد قرَّت به - قرَّتْ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، رقم (١٠٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>