للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: هذا مَعناها في اللُّغة، والقُرآن نزَل باللُّغة العرَبية، وقد أَشار الله إلى ذلك في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨)} [الدخان: ٥٨]، إلى غير ذلك من الآيات الواضِحة.

فإن اختَلَفَتِ الحَقيقة اللُّغَوية والحَقيقة الشَّرْعية، رجَعْنا إلى الحَقيقة الشَّرْعية، يَعنِي: الحقيقة الشرعية واللُّغَوية لا شكَّ أنها تَتَّفِق في أشياءَ كَثيرةٍ؛ فالسَّماء سَماء لُغة وشرعًا، والأرض أرض لُغة وشَرْعًا، والإبِل إِبِل لُغة وشَرعًا، وما أَشبَه ذلك، فإن تَعارَضت الحقيقة الشرعية والحَقيقة اللُّغَوية فنُقدِّم الحَقيقة الشَّرْعية؛ لأن هُناك كلماتٍ نقَلها الشَّرْع من المعنى الأصليِّ اللُّغَويِّ إلى المَعنَى الشَّرعيِّ.

مِثال ذلك: "الإيمان" الإيمان في اللُّغة هو: الإقرار والاعتِراف، أو التَّصديق، على خِلاف بين العُلَماء في التَّفسير. لكنه في الشَّرْع غير ذلك، الإيمان في الشَّرْع أَوسَع من هذا، يَشمَل المَعنى اللُّغَويَّ، ويَشمَل ما سِواه، مثل: الأعمال، الأقوال، الأفعال، التُّروك. كلُّ هذه من الإيمان شرعًا، ومِثل: الصلاة، وجَدْنا في القُرآن: {أَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} على أيِّ شيء نَحمِل الصلاة، على المَعنَى اللُّغَويِّ الذي هو الدُّعاء أو على المَعنَى الشَّرْعيِّ؟ على المعنى الشَّرعيِّ؛ لأنَّ الشَّرْع نَقَل بعض الألفاظ العرَبية إلى مَعنًى جَديدٍ، ليس مُستَعمَلًا في اللُّغة العرَبية فنَأخُذ بما أَقرَّه الشَّرْع.

إِذَنْ: نَرجِع في التَّفْسير إلى القُرآن، السُّنَّة، الصَّحابة، التابِعين، مَعنَى الكلِمة، وإذا تَعارَض اللّغة والشَّرْع، قَدَّمنا المَعنَى الشَّرْعيَّ، وهذا هو المَبحَث الثالِث.

المَبحَث الرابع: هل يَجوزُ لنا أن نُفسِّر القُرآن دون الرُّجوع إلى كلام العُلَماء المَكتوب أو المَسموع؟ هذا يُنظَر إذا كانَتِ الكلِمة لها مَعنًى لُغويٍّ، ولم نَعلَم أن

<<  <   >  >>