للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لها مَعنًى شرعيًّا يُعارِضه؛ فلنا أن نُفسِّر القُرآن بمُقتَضى اللغة، إذا لم نَعلَم أن لها مَعنًى شرعيًّا نُقِلت إليه؛ لأن القُرآن - كما قُلْنا واستَدْلَلنا - نزَل باللُّغة العرَبية، فإذا فسَّرته بمُقتَضى اللُّغة العرَبية فلا بأسَ، لكن بشَرْط أن يَكون لي عِلْمٌ باللُّغة العرَبية، ليس أيُّ عامِّيٍّ يَجيء يُفسِّر القرآن.

أمَّا إذا فَسَّرتُ القُرآن بما يُوافِق رَأْيِ مع مُخالَفته للقَواعِد السابِقة، فهذا جاءت الأَحاديث بالوعيد فيه، وأن "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (١) ولهذا أَمثِلة كثيرة عقَدية وفِقْهية.

كثير من العُلَماء فسَّروا القُرآن بآرائهم؛ أي: بما يُناسِب مَذاهِبهم، وهذا في العَقائِد مَشهور مَعروف، مثل يُفسَّر قول الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: ٢٢]؛ أي: جاءَ أَمْر رَبِّك، يُفسَّر قوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ {[التوبة: ٦]؛ بأنه الكَلام المَخلوق، يُفسَّر قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يَعنِي: استَوْلى عليه، يُفسَّر قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}؛ أي: بقُدْرتي، وما أَشبَه ذلك، هذا قارِئٌ في القُرآن برَأْيه لا شكَّ؛ لأنه لا فسَّره بمُقتَضى اللُّغة، ولا بمُقتَضى الشَّرْع، وإنَّما بمُقتَضى رَأْيه، الَّذي يُطابِق ما هو عليه من المَذهَب أو من الطَّريقة.

فالتَّفسير بالرَّأْي إِذَن محُرَّم ومن كبائر الذُّنوب، وهو داخِل في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام: ٢١]؛ لأن هذا المفَسِّر يَقول: إنَّ الله أَراد بهذا هذا. فيَكون كاذِبًا؛ فيَكون ممَّن افتَرى على الله كذِبًا حيث قال: إن الله أَراد كذا.


(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٢٣٣)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، رقم (٢٩٥١)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>