للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُم هو مِمَّنِ اعتَدَى في حقِّ الله؛ حيث قال: لم يُرِد كذا. انظُرِ الخطَر، إذا قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ} قال: أَراد الله: وجاء أَمْر رَبِّك، فيَكون كذَب على الله. قال: ولم يُرِد أنه جاء بنَفْسه، يَكون اعتَدَى على كلام الله، وتَجاوَز حَدَّه، مَن قال لكَ: إنَّ الله لم يُرِد هذا، وهذا ظاهِر كلامه؛ فيَكون هذا مُعتَدِيًا محُرِّفًا، والعِياذ بالله.

وكذلك أيضًا في المَسائِل الفِقْهية، مثلًا: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: ٦]، قال الرافِضة: يَعنِي أنَّ الله أَمَرنا أن نَمسَح الأرجُل بدَل الغَسْل؛ فيقال: هَؤلاء قالوا برَأْيِهم؛ لأنهم أَهمَلوا قِراءة النَّصْب {وَأَرْجُلَكُمْ} ولم يَعمَلوا بها، ثُم خالَفوا المُراد بقِراءة الجرِّ، وهي أنها تمُسَح الرِّجْل على الوَجْه الذي بيَّنَتْه السُّنَّة، والذي بيَّنَته السُّنَّة أنَّ الرِّجْل تُمْسَح إذا كان عليها خُفَّان، أو جَوْربان، أو ما أَشبَه ذلك؛ فتَبيَّن الآنَ أنَّ التَّفسير بالرَّأْي من كبائِر الذُّنوب؛ لأنه يَتَضمَّن مَفسَدَتين عَظيمتين: إحداهما: تَحريف الكلِم عن مَواضعه، والثاني: الكذِب على الله، والتَّعدِّي في حَقِّه؛ حيث قالوا: إنه لم يُرِد كذا، وأَراد كذا.

المَبحَث الخامِس: أهمِّيَّة التَّفسير: التَّفْسير من أجَلِّ العُلوم وأَعلاها قَدْرًا؛ لأن الإنسان يُحاوِل أن يَفهَم به مَعنَى كلام الله عَزَّ وَجَلَّ والعُلوم تَشْرُف بحَسب مَوْضوعها، ولا أَشرَف من مَوضوع تَفْسير كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، فيَكون التَّفْسير من أجَلِّ العُلوم إن لم نَقُل: هو أجَلُّ العُلوم وأَعظَمها قَدْرًا؛ لأنه عِناية بكَلام الله عَزَّ وَجَلَّ؛ ولأنَّه اتِّباعٌ لطَريق السَّلَف الذين لا يَتَجاوَزن عَشْر آيات حتى يَتعَلَّموها وما فيها من العِلْم والعمَل، ولأن الإنسان إذا فهِمَ كلام الله ذاقَ له طَعْمًا، وصار يَقرَؤُه وهو يَجِد حَلاوة مَعناه، والأُنسْ به، أكثَرُ من إنسان أُمِّيٍّ لا يَعلَم الكِتاب إلَا أَمانيَ.

<<  <   >  >>