للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ قال في النِّهاية: "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (١).

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن آل فِرعونَ قد غَلَبوا في مِصرَ، وظهَروا عليها، ولم يَكُن لهم مُنازع؛ لقوله: {ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ}، ومنْ ثَمَّ تكَبَّرَ فِرْعَونُ، ولم يَخضَع لموسى؛ لأن موسى من بني إسرائيلَ، وهم قِلَّة أذِلَّة في مِصرَ، والغلَبة للأَقْباط.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الظُّهور والغلَبة قد يَكونون سببًا للأشَرِ والبطَر، إلَّا مَن وفَّقَه الله، فبعضُ الناس مَن أَعطاه الله تعالى سَبَبَ رِفْعَة لا يَزيده ذلك إلَّا تَواضُعًا للحَقِّ وللخَلْق، وبعض الناس إذا أَعطاه الله رِفْعَة صار هذا سبَبًا في تَعاليه على الخَلْق، واستِكباره عن الحقِّ، وهذه مِحْنة يَجِبُ على المرء أن يُعالِج نفسه فيها، لا إذا أَعطاه الله مالًا يَذُمُّ ويَعلو ويَستَكبِر؛ فإنَّ الذي أَعطاه هذا المالَ قادِرٌ على أن يُتلِفه عليه، لا يَقول: إذا أَعطاه الله عِلْمًا: أنا عالِم، وأنا مَن أنا. ثُم يَتَعلَّى عن الحَقِّ وعلى الخَلْق، بل يَجِبُ على الإنسان كلَّما آتاه الله عِلمًا أن يَزْدَاد تَواضُعًا.

هذا ما أَقوله، وأَرجو أَنْ أَتَّصِفَ بِه وإيَّاكم، فعلى الإنسان أنْ يَعْرِف هذه المَسأَلةِ، وأن الله قد يَبْتِلَي الإنسان بالشيء الذي يَكون داعِيًا لعُلوِّه واستِكْباره عن الحَقِّ وعلى الخَلْق؛ فلْيَحذَر هذا الأمرَ.

الْفَائِدَةُ السَّابعَةُ: قوة إيمان هذا الرَّجُلِ؛ وأنه لا دافِعَ ولا مانِعَ لما أَراد الله؛ لقوله: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا}، وهذا يَدُلُّ على كَمال يَقينه رحمه الله ورضِيَ عنه حيثُ آمَنَ بأنَّه إذا جاء بأسُ الله فإنَّه لا مَرَدَّ له.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: التَّلطُّف بالخِطاب، حتى يشعر الإنسان المُخاطَب وكأنَّه هو


(١) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم (٥٠٩٠)، ومسلم: كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، رقم (١٤٦٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>