للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوَّل مَن يُراد بهذا الأَمرِ، أو بهذا الخِطابِ؛ لقوله: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} ولم يَقُلْ: فمَن يَنصُركم من بَأْس الله إن جاءَكم، كل هذا من باب التَّنزُّل مع هَؤلاء، وإشعارهم بأنه واحِد منهم.

وقد يُقال: إن في هذا إشارةً إلى أنَّ العَذاب إذا نزَل يَعُمُّ الصالِح والفاسِد؛ وَيكون قوله: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} يُراد به حقيقته؛ أي: أنه هو سيُصيبه ما أَصابَهم، وَيكون هذا شاهِده قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥]، وهذا ليس ببَعيد.

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أنه إذا نزَل بَأْس الله فإنه لا مَرَدَّ له، ويَدُلُّ لهذا قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٤ - ٨٥]، ولا يُستَثْنى من هذا أحَدٌ، فكُلُّ مَن أَتاهم بأسُ الله فإنهم لن يَنجوا ولو آمَنوا.

فهل استُثْني من هذا أَحَدٌ؟

قال الله تعالى في قوم يُونُسَ: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} يَعنِي: إذا نزَل بها العَذابُ {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [يونس: ٩٨]، وخُصَّ قومُ يُونُسَ لحِكْمة -لأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لا يُمكِن أن يَخُصَّ أحَدًا بشيء إلَّا بحِكْمة، الناس عِنده سَواءٌ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]- والحِكْمة: أنَّ يُونُسَ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ قومِهِ مُغاضِبًا قبل أن يُؤذَن له، وكأنه لم يَستكمِل الدَّعْوة، فلم تَقُم عليهمُ الحُجَّة الكامِلة؛ ولهذا نجَوْا حين آمَنوا بعد رُؤْية العَذاب، فصار إنجاؤُهم له حِكْمة، وهو خُروج نبيِّهم مُغاضِبًا قبل أن يُؤذَن له؛ فكأنه لم يَستكمِل إقامة الحُجَّة عليهم، فصار في هذا نوعُ عُذْر لهم؛ فأَنجاهم الله عزَّ وَجَلَّ.

<<  <   >  >>