للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنَقرَأ السُّنَّة لكي نُبيِّنَ هذه العُموماتِ من السُّنَّة، فما رَأْيُكم في هذا؟

فالجَوابُ: رأيُنا: صَحيح أننا لا نُزهِّد في السُّنَّة، ولا في مَعرِفة الرِّجال، ولا في مَعرِفة المُصطَلَح، لكِنَّنا نَرَى أنَّ هُناك أَوْلوياتٍ، وهُناك أَهمِّيات قبل المَهَمَّات. وأمَّا ما ادَّعاه من أنَّ القُرآن لم يُبيِّن الرَّدَّ على أهل البِدَع، والسُّنَّة بَيَّنته، فهذا غير صَحيح، القُرآن ليس فيه دليلٌ واحِد لأيِّ بِدْعة من البِدَع أَبَدًا، بل إنَّ شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ قال في كِتابه دَرْء تَعارُض العَقْل والنَّقْل قال: "أي دَليل يَستَدِلُّ به شَخْص على بِدْعة، فأنا أَجعَل هذا الدَّليلَ دَليلًا عليه" (١)، وصَدَق، أَضرِب مثَلًا لكم: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} استدَلَّ بهذه الآيةِ مَن يَرَى أنَّ الله لا يُرَى، والحَقيقة أنَّها تَدُلُّ على أنَّ الله يُرَى، انظُرِ استَدَلَّ بها وهي دَليل عليه؛ لأن نَفيَ الأخَصِّ يَستَلزِمُ وجودَ الأعَمِّ، {لَا تُدْرِكُهُ} إِذَنْ تَراه، ولو كانَت لا تَراه لقال: لا تَراه الأبصار، أمَّا أن يُعبِّر بِـ: لا تُدرِكه. عن: لا تَراه، فهذا لا شَكَّ أنه تَعمية وإلغاز، ولا يُمكِن أن يَكون هذا في كلام الله، الذي جَعَله الله تِبيانًا لكل شيء.

استَدَلُّوا بقول موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣]، قالوا: هذا يَدُلُّ على أن الله لا يُرَى، نَقول: هذا دَليل عليكم. فمُوسى سأَل الرُّؤْية في الدُّنيا، فكَيْف تَنقُلونها أنتُم إلى الآخِرة؟ ! ولهذا قال الله: {لَن تَرَانِي} يَعنِي: الآنَ ليس بكَ قُدْرة على أن تَتَحمَّل رُؤيتي، ورُؤْية الله مُستَحيلة في الدُّنيا، لا لأَمْر يَتَعلَّق بالرُّؤْية، لكن لأَمْر يَتَعلَّق بالرَّائِي، فالرائِي لا يَتحَمَّل.

ولهذا ضرَب الله مثَلًا لمُوسى فقال: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} جلَّ وعَلَا، ماذا صَار؟ {جَعَلَهُ دَكًّا}


(١) انظر: درء التعارض (١/ ٣٧٤)، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (١/ ١٠٤ - ١٠٥).

<<  <   >  >>