للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأعراف: ١٤٣] هذا الجبَلُ العَظيمُ الذي لا تَدُكُّه القنابل صار دَكًّا بمُجَرَّد أنَّ الله تَجلَّى له، ولهذا خَرَّ موسى صَعِقًا، عجَز أن يَتحَمَّل المَوْقِف فَضْلًا عن رُؤْية الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ.

فالمُهِمُّ: أنَّ الآية الآنَ فيها دليلٌ عليهم؛ لأن مُوسى إنما سأَل الرُّؤية في الدنيا لا في الآخِرة، ثُم إنَّ مُوسى سأَل الرُّؤْية وأنتُم تَقولون: رُؤْية الله مُستَحيلة، إِذَنْ أَنتُم أَعلَمُ بالله من موسى، يَعنِي: إمَّا أن تَكونوا أعلَمَ بالله من موسى؛ لأن موسى سأَل شيئًا مُستَحيلًا، يَرَى أن الله يُرَى، لكن البَشَر لا يَتحَمَّلون ذلك؛ فإمَّا أن يَكون جاهِلًا بقَدْر الله، وأنتم عَالمُون به، وإمَّا أن يَكون مُعتَدِيًا على الله؛ حيث سأَل ما لا يَحِلُّ له سُؤاله.

فأَقول لكم يا إخواني: مَن قال: إن البِدَع لا تُدفَع إلَّا بالسُّنَّة، أو لا يَتِمُّ دَفْعها إلَّا بالسُّنَّة، فقد أَخطَأ، وهذا يَدُلُّ على قُصور فَهْمه للقُرآن، أو على تَقصير في تَفهُّم القُرآن، وإلَّا فالقُرآن نفسه لا يُمكِن أن يُوجَد بِدْعة إلَّا رَدَّ عليها أبَدًا، ولو لم يَكُن من ذلك إلَّا قوله: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، هذه الآيةُ قاضِية على كل بِدْعة، فكلُّ بِدْعة تَبطُل بهذه الآية، سواء كانت عَقَدية أو قَوْلية أو فِعْلية.

مسألةٌ: التَّقلِيد في التَّفسير يَعنِي: أن يُمسِك بتَفْسير ابن كثير، أو غيره من العُلَماء، هذا تَقْليد؛ لكن أنا أُريد التَّفْسير المُجتَهِد، أمَّا مَن لم يَجِد إلَّا مَيْتة فيَأكُل مَيْتة للضَّرورة؛ ولهذا قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ: "يَنبَغي أن نَعلَم أن التَّقليد بمَنزِلة أَكْل المَيْتة إن اضْطُرِرْتَ إليها فقَلِّدْ" (١). وإلَّا فاجتَهِد أَدْلِ إلى البِئْر بمِثْل ما أَدلى به الناس، أَدْلِ بِدَلْوك.


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢٠٣ - ٢٠٤)، وإعلام الموقعين لابن القيم (٢/ ١٨٥).

<<  <   >  >>