للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوَصْف الثاني: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} يومَ هذه بدَل من قوله: {يَوْمَ التَّنَادِ} أو عَطْف بَيان، {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} مُدْبِرين هذه حال، حال مُؤكِّدة لعامِلها، لأن التَّولِّيَ هو الإدبار، وعلى هذا فهي حال مُؤكِّدة لعامِلها، يَعنِي: تُولُّون يوم القِيامة حال كَونِكم مُدبِرين، يُولُّون إلى النار -والعِياذُ بالله- قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: ٨٥ - ٨٦]، فهُمْ -والعِياذ بالله- يُولُّون مُدبِرين.

وقوله: {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} الجُمْلة هذه جُمْلة خَبَرية مَبدوءة بـ (ما) النافِية، والمُبتَدَأ فيها قوله: {مِنْ عَاصِمٍ} لكن دخَلَت عليه (مِن) الزائِدة للتَّوكِيد، وتقدير الكلام: لولا مِن ما لَكُم من الله عاصِمٍ. وهنا نَسأَل: هل هي تمَيمِيَّة أو حِجازِّية؟

والجَوابُ: تَتَّفِق فيها اللُّغَتان، لأنَّها لا تَكون حِجازِية إلَّا بالتَّرتيب، كما قال ابنُ مالِكٍ:

........... . . مَعَ بَقَا الْنَّفْي وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ (١)

وهنا لا تَرتيبَ، لأن الخبَر مُقدَّم، وعلى هذا فنَقول: (ما) هنا اتَّفَقت فيها اللُّغَتان، التَّميمية والحِجازِية؛ {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غافر: ٣٣]؛ أي: من مانِع.

وقوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} هذه الجُمْلةُ؛ قد تُشْكِل كيف ختَمَ بها الدَّعوة إلى الله عزَّ وجَلَّ؛ لأن مُقتَضى الحال أن يَقول: وأَسأَل الله لكم الهِداية. فيُقال: هل قوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من كلام الرجُل أو من كلام الله؟ لا بُدَّ أن نَبحَث قبل كل شيء، هل هِيَ من كلام الله عزَّ وجَلَّ ليُبيِّن أنَّ هؤلاءِ القومَ مع قُوَّة الدَّعْوة


(١) الألفية (ص: ٢٠).

<<  <   >  >>