للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اشْهَدْ" (١)، وأمَّا إقراره فبإقراره الجارِيةَ التي قالت: في السَّماءِ. لمَّا سأَلَها: "أَيْنَ الله؟ " (٢) وأمَّا الإجماع فقد أَجمَعَ السلَف على ذلك، ما منهم أحَدٌ قال: إن الله ليس في السماء. وما مِنهم أحَدٌ قال: إن الله في الأرض. وما منهم أحَد قال: إن الله لا يُوصَف بعُلوٍّ ولا سُفول، ولا محُايَثة ولا مجُانَبة. يَعنِي: ما منهم أحَدٌ قال: إن الله ليس فوقُ ولا تحتُ، ولا يمينُ ولا شِمالُ، ولا مُتَّصِلًا بالخلْق ولا مُنفصِلًا، كما قاله المُعطِّلة.

فإذا قال قائِل: نُسلِّم أنه لم يَرِد عنهم النَّفيُ، فما هو دَليلُ الإثبات؟

فالجَوابُ: دليلُ ذلك أنه كل نَصٍّ في القُرآن والسُّنَّة لم يَأتِ عن الصحابة خِلافُه، فإننا نَعلَم عِلْم التقين أنهم يَقولون به؛ لأن القُرآن نزَل بِلُغَتهم وَيعرِفونه، فإذا خوطبوا بهذا ولم يَرِد عنهم خِلافه دلَّ ذلك على أنهم قائِلون به، وهذه نُقطة مُهِمَّة تَنفَعُك عند المُناظَرة مع الخُصوم إذا قال لك: أين قال الصحابةُ: إن الله في العُلو مثلًا؟ تَقول: قال الصحابةُ ذلك؛ لأن كل نصٍّ جاء بإثبات العُلوِّ، ولم يَرِد عن الصحابة خِلافُه فإنهم قائِلون به قَطْعًا؛ لأنه نزَل بلُغَتِهم وعرَفوه وفهِموه على ما أَراد الله عَز وجَلَّ.

وأمَّا العَقْل فلو سألت أيَّ إنسان: هل العُلوُّ صِفةُ كَمال أو النُّزول؟ لقال لك: العلوُّ. ولو قلت: العُلوُّ صِفةٌ أكمَلُ أو المُحاذاة؟ لقال: لك العلوُّ.

إِذَنْ: فالعُلوُّ دلَّ العَقْل على ثُبوته لله عَز وجَلَّ.

وأمَّا الفِطْرة فلا تَسأَل، اسأَلْ عَجوزًا من العَجائِز لم تَقرَأ في كلام المُتكَلِّمين المُعطِّلين ماذا تَقول لك؟ لو سألتها: أين الله؟ قالت: في السَّماء. ولا تَعرِف إلَّا ذلك،


(١) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٢١٨)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة، رقم (٥٣٧)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>