للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعجَب أن نَفْس القائِلين بالنفيِ إذا دعَوُا الله عز وجل رفَعوا أيديَهم قهرًا عليهم إلى السماء، وهذا شيء مُسلَّم، وادِّعاؤُهم أنهم يَقولون: إن السَّماء قِبلة الداعِي كما أن الكَعْبة قِبلة المُصلِّي. نَقول: إِذَنْ أَنتُم تَدْعون السماء فوقَعْتم في الشِّرْك من حيثُ لا تَعلَمون.

فالحمدُ لله أن عُلوَّ الله أَمْر فِطري لا يَحتاج إلى تَعلّم ولا إلى تكلُّف! .

ومع ذلك جميع الأدِلَّة دلَّت عليه، ثُم يَأتِي أقوام أَعمَى الله تعالى بَصائِرهم، فيقولون: إن الله تعالى ليس في العُلوِّ. ماذا يَقولون؟ استَمِعْ: منهم مَن يَقول: إن الله في كل مَكان، -وهؤلاءِ حُلولية الجَهْمية- الله في كل مَكان، في المَساجِد، في الأسواق، في البُيوت، في الجَوِّ، في السماء، -والعِياذُ بالله- في المَراحيض، في كل مَكان، وهذا باطِل كما تُبطِل الشَّمْس ظُلْمة الليل؛ لأنه يَلزَم منه واحِد من أمرين ولا بُدَّ: إمَّا أن يَكون الله مُتعدّدًا، وإمَّا أن يَكون الله مُتجزِّئًا؛ بعضُه هنا، وبعضه هناك، أو مُتعدِّدًا واحِدٌ هنا وواحِدٌ هناك، هذا بقَطْع النَّظَر عمَّا يَلزَم عليه من اللَّوازِم الفاسِدة التي تُوجِب أن يَكون الله في أَقذَر الأمكِنة وأَنتَنِ الأمكِنة.

والقول الثاني لمَن يُنكِرون علوَّ الله الذاتي يَقولون: لا نَقول: إن الله فَوقُ ولا تحتُ، ولا يَمينُ ولا شِمالُ، ولا مُتَّصِل بالعالَم ولا مُنفصِل عن العالَم. إِذَنْ هو عدَم، يَعنِي قال بعض العُلَماء: لو قيل: صِفوا لنا العدَم. لم نَجِد وَصْفًا أَشمَلَ من هذا، فحقيقة الأمر أنهم لا يَعبُدون الله، وأنه ليس لهم إلهٌ إطلاقًا.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن من بلاغة المُتكَلِّم أن يَسلُك أقرَبَ الطّرُق إلى جَذْب المُخاطَب، ومنها الإبهام ثُم البيان؛ لقوله: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} وهذا كثير في القرآن وفي كلام البَشَر.

<<  <   >  >>