للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: المُتابَعة لرُسُل الله سواء محُمَّد أو غيره، لكن من المَعلوم أنه بعد بعثة محُمَّد - صلى الله عليه وسلم - لا يَصِحُّ اتِّباع غيره.

إذا فُقِدَ الإخلاصُ فليس العمَلُ صالحًا، بل هو مَردود على صاحِبه؛ لقوله تَبَارَكَ وتعالى في الحديث القُدسيِّ: "أنا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي ترَكته وَشِرْكَهُ"، وإذا فُقِدت المُتابَعة لم يَكُن العمَل صالحًا وكان مَردودًا؛ لقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَد" (١).

وقوله: {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} بَيان لـ (مَن) فـ (مِن) هنا بَيانِية بَيان لـ (مَن)؛ لأن (مَن) اسمٌ مَوْصول، واسمُ المَوْصول الأصل فيه الإبهام، فإذا وُجِد بعدَه بَيانٌ فإنه يَكون مُبيِّنًا لإبهامه {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} هذا الشَّرطُ لا بُدَّ أن يَكون مُؤمِنًا، فإن لم يَكُن مُؤمِنًا فإن عمَله الصالِحَ لا يَنفَعه، حتى وإن كان العمَل مِمَّا يَتَعدَّى نَفعُه، فإنه لا يَنفَعه؛ لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: ٥٤].

فغيرُ المُؤمِن لا يَنفَعه عمَله، لو أن رجُلًا كافِرًا أَصلَح الطُّرُق، ومدَّ أنابيب الماء يَسقِي الناس، وبنَى المساجِد وطَبَع الكُتُب، وكَسا العُريان، وأَطعَم الجائِع فلا يَنفَعه هذا؛ ولهذا فلا يَنفَع المُنافِقين عمَلُهم؛ لأنهم ليسوا مُؤمِنين، وبه نَعرِف أن الإيمان هو الأصل، آمِنْ ثُم اعمَلْ، أمَّا العمَل بدون إيمان هَباءٌ، نَسأَل الله ألَّا يَخلَع عنا وعنكم الإيمان {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)} [الفرقان: ٢٣]، لا بُدَّ من


(١) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>