فإن قال قائِلٌ: وحينئذٍ نُطالِبكم بالفَرْق بين الحديث النَّبويِّ والقُدسيِّ؛ لأنَّ الحَديث النَّبويَّ كلام الرسول؟ .
فالجواب: هذا سَهْل، الفَرْق بينهما أنَّ الحديث النَّبويَّ لا يُضيفه الرسولُ إلى الله، والحديث القُدسيُّ يُضيفه إلى الله. فانتَهى الإِشْكال في هذه المَسأَلةِ! .
ثُم اعلَمْ أن هذه المَقاماتِ إذا حصَّلَت السَّلامة فهي أَسلَمُ، ولكن إذا ابتُليَ الإنسان فلا بُدَّ أن يُفصِّل.
ومن ذلك مثَلًا لفظ: الجِسْم، معلومٌ أن جميع المُعطِّلة بنَوْا تَعطيلهم على مَسأَلة الجِسْم، حيث ادَّعَوْا أنهم إذا أَثبَتوا الوجه أو اليَدَ أو ما أَشبَه ذلك فإنه يَقتَضِي أن يَكون الله جِسْمًا، حتى الاستِواء يَقول: إذا أَثبَتْنا أن الله استَوَى فهو جِسْم. ونحن نَقول لهم: ما هذا الجِسمُ الذي جعَلْتُموه دَبُّوسًا مُعلَّقًا تَخرِقون به كل سِياج لإثبات الصِّفات؟ !
إن أَرَدْتُم أنه جِسْم مُكوَّن مَخلوق يُمكِن انفِصال بعضه عن بعض، وبانفِصال بعضِه يَنقُص، وربَّما جَهلِك، فالله مُنزَّهٌ عن هذا ولا شَكَّ، ومَنِ اعتَقَد هذا في ربِّه فهو كافِر، وإن أَرَدْتُم بالجِسم أنه ذو ذاتٍ يَفعَل ما يَشاء، وَيتكلَّم، ويَجيء، ويَنزِل، وَيستَوِي، وَيتَّصِف بالصِّفات اللائِقة به فهذا حقٌّ، لكن من جِهة إثبات لَفْظ الجِسْم أو نَفيه فهذا مَمنوع، لا تَقُل إثباتًا: إن الله جِسْم. ولا نَفيًا: إن الله ليس بجِسْم؛ لأنه لم يَرِد إثباتُه ولا نَفيُه.
فهذه مَسائِل يَنبَغي لطالِب العِلْم أن يَفهَمها، فمثَلًا: إذا جادَلَنا إنسان وَيقول: ما تَقول في الجِسْم؟ أَقول: أمَّا باعتِبار لفظه فالواجِبُ الكَفُّ عنه إثباتًا أو نفيًا؛ وأمَّا من جِهة مَعناه فنحن نَستَفصل.