للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أَدِلَّة القُرآن قولُ الله تبارَكَ وتعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: ٩٣] (اليَوْمَ) هنا (أل) للعَهْد الحُضوريِّ، يَعنِي: هذا اليومُ الذي هو يوم مَوتِكم، فدَلَّ ذلك على ثُبوت عَذاب القَبْر.

أمَّا السُّنَّة: فهي مُتَواتِرة في ذلك كثيرة على وُجوهٍ مُتَنوِّعة عامَّة وخاصَّة:

فمن الخاصَّة: قولُه - صلى الله عليه وسلم - حين مَرَّ بقَبْرين يُعذَّبان: "إِنَّهُما ليُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ" (١).

وأمَّا الإِجْماع: فكل المُسلِمين يَقولون في صَلَواتهم: أَعوذُ بالله من عَذاب جَهنَّمَ ومن عَذاب القَبْر؛ وهذا أَمْر لا إشكالَ فيه وهو من عَقيدَتِنا.

فإن قال قائِلٌ: هل العَذاب يَكون على البدَن أو على الرُّوح، أو عليهما جميعًا؟

فالجَوابُ: ظاهِر السُّنَّة أن العَذاب يَكون على البدَن حين مُساءَلة المَلَكين، فإن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخبَرَ أن المُنافِق والمُرتاب يَقول: "لا أَدرِي سمِعْت الناس يَقولون شَيْئًا فقُلْتُه، فيُضرَب بمِرْزَبَّة من حَديد فيَصيحُ صَيْحة يَسمَعها كُلُّ شَيءٍ إلَّا الثَّقَلين الإنسَ والجِنَّ فإنهم لا يَسمَعونه، وكلُّ شيء يَسمَعُه" (٢).

والمُراد بذَلِك من قرُبَ منها بحيث يَسمَع، أمَّا مَن كان في أَقْطار الدنيا البَعيدة فلا، وهذا يَدُلُّ على أن الذي يُعذَّب حين المُساءَلة البَدَن؛ لقوله: (فيُضرَب).


(١) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، رقم (٢١٦)، ومسلم: كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، رقم (٢٩٢)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٢٨٧)، أبو داود: كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر، رقم (٤٧٥٣)، من حديث البراء - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>