للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الأوَّل-: أن السَّبب لا بُدَّ له من محَلٍّ قابِل، فإذا دعا الإنسانُ ربَّه لكن قد فاتَه شيء من آداب الدُّعاء الواجِبة أو المُستَحبَّة، أو وُجِد مانِع يَمنَع من قَبول الدُّعاء، فليس الخلَل في الدُّعاء، بل الخلَل في الداعِي والمَحَلِّ.

ولْنَضرِب مثَلًا بإنسان دعا وهو لا يَشعُر بالافتِقار إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ولا يَشعُر بالفِرار إلى الله، فهذا دُعاؤُه ناقِص جِدًّا، إذا قلت: رَبِّ اغفِرْ لي. مثَلًا لا بُدَّ أن تَشعُر أن هُناك ذُنوبًا تَحتاج إلى المَغفِرة، وأنك في أشَدِّ ما يَكون من الضَّرورة إلى مَغفِرة هذه الذُّنوبِ؛ لأن هذه الذُّنوبَ إذا لم تُغفَر فيا وَيلَكَ! ذَنْب مع ذَنْب يَكون كبيرة؛ ولهذا نَهَى الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - عن محُقَّرات الذُّنوب، وقال: "إِنَّ مَثَلَهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضًا، فَأتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعُودٍ فَجَمَعُوا حَطَبًا كَثِيرًا وَأَضْرَمُوا نَارًا كَبِيرَةً" (١) مع أن الواحِد منهم أتَى بعُود واحِد.

فالمُهِمُّ: أنك لا بُدَّ أن تَشعُر حين الدُّعاء أنك في غاية الضَّرورة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.

ثانيًا: من الآداب التي فَقْدُها سببٌ لمَنْع الإجابة أن يَكون عندك شَكٌّ في قَبول الله عَزَّ وَجَلَّ لدُعائك، أو في استِجابة الله لدُعائِك، مِثْل أن تَستَعظِم المَدعوَّ به، تَقول: هذا لا يَحصُل. هذا غلَط هذا مِمَّا يَمنَع الإجابة، ولهذا نَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن قول القائِل: اللهُمَّ اغفِرْ لي إِنْ شِئْتَ. وقال: "لِيَعْزِمِ المَسْألةَ وَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ، فَإنَّ الله لَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَعْطَاهُ" (٢).


(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٤٠٢)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له، رقم (٦٣٣٩). ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت، رقم (٢٦٧٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>