للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلَق الله عَزَّ وَجَلَّ لم يُشكِّل العَيْن، ولا الأَنْف، ولا الَفمَ، ولا الشَّفَة، ولا أي شيء، غاية ما هنالك أن هذا الضوءَ انعكَس على هذه الصورةِ، فانطَبَعت فهو بمَنزِلة ما لو شاهَدْت المِرآة فرأَيْت صورتَك فيها، إلَّا أن الفَرْق أن هذا يَثبُت، وما في المِرآة يَزول بزوالِكَ، ولهذا نُسمِّي صورة الناظِر في المِرآة نُسمِّيها صورة، وهي بالاتِّفاق لا تَدخُل في التصوير المَنهيِّ عنه، لكن يَبقَى النَّظَر لماذا صوَّر هذه الصورةَ؟

إِذَنِ الآنَ: تَقرَّر عندي هذا التَّصويرُ مُباح.

لكن لماذا صوَّر؟ نَقول: نُجرِي على هذا ما نُجرِيه على سائِر المُباحات، وهو أنه إذا كان لغرَض مَقصود فهو مُباح، وإذا كان لغرَض محُرَّم فهو حرام، فلو أن إنسانًا صوَّر صورة امرَأة أَجنَبِيَّة من أَجْل أن يَتلَذَّذ برؤيتها كلَّما سنَحَت له الفُرصة؛ لقُلنا: هذا حرام لا شَكَّ. ولو أَراد أن يُصوِّر صورة عَظيم ليُعلِّقها في بيته؛ قلنا: هذا حرام. ولو أَراد أن يُصوِّر صورة أبيه أو أخيه أو عمِّه أو صديقه من أَجْل أن يَتَسلَّى به عند المَصائِب؛ قلنا: هذا حرام. فيَكون هذا المُباحُ حُكْمُه حُكْم الغرَض الذي من أَجْله صُوِّر، هذا ما يَظهَر لي حول هذه المَسأَلةِ، والناس فيها بين مُتهاوِن وبين مُتَشدِّد، والذي يَظهَر -والله أَعلَمُ- هو هذا.

فإن قال قائِل: أحيانًا لا يَتمكَّن الخاطِب من رُؤْية مَخطوبته، وفي الغالِب صورة لها فهل تقوم مقام النظر؟

فالجَوابُ: من السُّنَّة أن يَنظُر الخاطِب إلى مخَطوبته بالشُّروط المَرعيَّة المَعروفة عند العُلَماء، والصورة لا تَقوم مَقام النظَر، ولا فائِدةَ منها؛ أوَّلًا لأنك كثيرًا ما ترَى صورة شخص ما في مجَلَّة أو صَحيفة، ثُم إذا رأَيْت الرجُل نفسه وجَدْته يَختلِف، وهذا شيء مجُرَّب ومُشاهَد، هذه واحِدة.

<<  <   >  >>