للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبما جعَلَ في الورَق من قابِلية ذلك.

ولهذا يُوجَد الآنَ مَوادُّ تُضادُّ النار، تُلقَى في النار ولا تَحتَرِق؛ لأن هُناك مانِعًا يَمنَع من تأثير السبَب، وهذا القولُ هو الراجِح، ألَمْ تَرَوْا أن إبراهيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُلقِيَ في النار العَظيمة التي لم يَستَطِع مُلقوه أن يَقرَبوا منها حتى أَلقَوْه في المَنجَنيق ورمَوْه فيها رَمْيًا؛ لم يَحتَرِق مع أن النار سبَب للإِحْراق، لكن الله قال لها: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فكانت بَرْدًا وسَلامًا عليه، قال العُلَماء: لو قال الله كوني بَرْدًا، ولم يَقُل: كُوني سَلامًا. لكانت بَرْدًا مُهلِكًا، لكن الله قال: {بَرْدًا وَسَلَامًا}، فكانت بَرْدًا وسَلامًا وكأنه لم يَكُن في نار.

إِذَنْ نَقول: الأصَحُّ من أقوال العُلَماء في تأثير الأسباب أنها مُؤثِّرة لا لذاتها، ولكن بما جعَل الله فيها من القُوى المُؤثِّرة في المَحلَّات القابِلة.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الفرَح بغير الحَقِّ سبَب للعَذاب والإِضلال، يُؤخَذ من قوله: {تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الفرَح بالحَقِّ مَحمود؛ ولهذا جاء في الحَديث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ المُؤْمِنُ" (١)، وقال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: ٥٨]، فالفرَح بالحَقِّ مَحمود، والفَرَح بغير الحَقِّ مَذموم، والفرَح بما ليس حَقًّا ولا باطِلًا ليس محَمودًا ولا مَذمومًا؛ لأنه من اللَّغْو، ولكن عِباد الرحمن إذا مَرُّوا باللَّغْو مَرُّوا كِرامًا.

ثُم اعلَمْ أن الفرَح يَكون طبيعيًّا، الإنسان إذا أَتاه ما يَسُرُّه لا بُدَّ أن يَفرَح


(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ١٨)، والترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم (٢١٦٥)، من حديث عمر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>