يَنفعِل بدون إرادة، ومَعلوم أن هذا لا يُؤاخَذ به الإنسان إلَّا إذا كانَت طَبيعته مُنحَرِفة بحيث يَفرَح بالسُّوء دون الخَيْر.
فإن قال قائِل: قُلنا: الفرَح بالحَقِّ مَمدوح، فما ضابِط الحَقِّ الذي يُفرَح به؟
فالجوابُ: إذا فعَل الإنسان خيرًا فهذا حَقٌّ، فإذا فرِح بذلك فهو حَقٌّ، إذا فرِح بالمَطَر فهذا حقٌّ، إذا فرِحَ بأن الله أيَّدَه بشيء فهذا حقٌّ؛ ولهذا فرِحَ ابنُ عباس - رضي الله عنهما - حين أَفتَى الرجُلَ بالتَّمتُّع في الحَجِّ فرأَى في مَنامه رجُلًا يَقول له: عُمْرة مُتَقبَّلة وحَجٌّ مَبرور. فأَخبَر بذلك ابنَ عبَّاس ففَرِح بها، وقال: انتَظِرْ حتَّى نُعطِيَك مِن العَطاءِ (١) أو كلِمة نَحوَها.
فإن قال قائِل: فَرَح قارونَ الذي ذُمَّ عليه، هل هو بالبَغيِ أو بالمال الذي أُوتِيَ؟
فالجوابُ: بكِلا الأَمْرَيْن
فإن قال قائِل: لكن الفرَح بالمال ذاته ليس مَذمومًا.
فالجَوابُ: لا، قد يَكون مَذمومًا وقد يَكون مَمدوحًا، إذا فرِح بالمال ليَستَعين به على حَقٍّ، يَعنِي: إنسان يُريد أن يَشتَريَ كُتُبًا وليس عنده مال فرَزَقه الله المال فيَفرَح ليَشتَريَ الكُتُب، لكن إنسان يُريد أن يَشتَرِيَ آلةَ لَهْوٍ وليس عِنده مال فرَزَقه الله المالَ فاشتَرَى به آلةَ لَهْوٍ، فالفرَح هنا مَذموم.
فإن قال قائِل: هل يُثاب الإنسان على الفَرَح؟
(١) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، رقم (١٦٨٨)، ومسلم: كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج، رقم (١٢٤٢). وقوله أنه أعطاه عطية أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (٢٨٧٢).