للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنها مُلاحَظة أَمْر الرُّبوبية، فهَمَّ بها لكِنْ هي السابِقة: همَّتْ به وهَمَّ بها، لكن بعد أن هَمَّ رأَى بُرهانَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-، أَراه الله البُرهانَ الآيةَ، كأنها رُؤْية عَيْن، فامتَنَع وقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} هذا صَبْر عن المَعْصية، وصَبْر عَظيم، فتًى شابّ مع سَيِّدته الجَميلة، في مَكان لا يَطَّلِع عليه أحَدٌ، ومع هذا كفَّ عنها.

وأُوذِيَ في جَسَده، فحُبِس، سُجِن ولَبث في السِّجْن بِضْع سِنين، ومع ذلك صَبَر؛ حتى إن الملِك لمَّا قال: {ائْتُونِي بِهِ} أَبَى أن يَخرُج حتى تُسأَل النِّسْوة ماذا حصَل؛ ليَتبَيَّن براءَتَه قبل أن يَخرُج، وهذا لا شَكَّ صَبْر عَظيم، لكن أيُّ الصَّبْرين أعظَمُ؟

الجَوابُ: الأوَّل الصَّبْر عن المَعصية؛ لأن السَّجْن حاصِل حاصِل، صبَر أو لم يَصبِر، وليس باختِياره.

فإن قال قائِل: ما هو الفَرْق إذا أَصاب الإنسانَ شيءٌ من الجوْف قال: قدَّر الله ما شاء فعَل. وبعضُهم يَقول: قدَرُ الله وما شاءَ فعَلَ؟

فالجوابُ: يَجوز هذا وهذا، قدَّر الله. هذا فِعْل ماضٍ، وقدَرُ الله. خبرٌ لمُبتَدَأ محَذوف، التَّقديرُ: هذا قدَرُ الله.

فقول الله تعالى لرسوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {فَاصْبِرْ} يَتَضمَّن كل الأَقْسام، ولهذا كان نَبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أَصبَرَ الناس في أَحْكام الله، وأَصبَرَ الناس على أَحْكام الله.

فإن قال قائِل: بعضُ العُلَماء، قال: إن ما أَصاب الرُّسُل من التَّكذيب والتَّعْذيب أشَدُّ مِمَّا أَصاب يُوسُفَ من اتِّهامه بما اتُّهِمَ به؟

فالجَوابُ: لكل شيء حُكْم، فيُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اتُّهِمَ بما اتُّهِمَ به، وعُذِّب

<<  <   >  >>