لأن الأصل بَراءَة الذِّمَّة، ولأنَّنا وجَدْنا مَسائِلَ كَثيرةً وأدِلَّة كثيرة فيها الأَمْر، أَجمَع العُلَماء على أنها للاستِحْباب، وهذا يُوهِن القول بأن الأَمْر للوُجوب.
تَوسَّط قوم فقالوا: إذا كان الأَمْر في عِبادة فهو للوُجوب، وإذا كان في آداب فهو للاستِحْباب. وهذا أَقرَبُ من الإطلاق بأنه للوُجوب، أو الإِطْلاق بأنه للاستِحْباب. يَعنِي: هذا التَّفسيرُ هو أَقرَبُ ما يَكون، ومع هذا فليس بمُنضَبِط، بل قد تَأتِي أَوامِرُ في الآداب وهي واجِبة.
فنَقول: الأصل أَقرَبُ ما يُقال في هذه المَسأَلةِ: أن الأصل في الأوامِر في التَّعبُّد الوُجوب؛ لأننا خُلِقنا للعِبادة وأُمِرنا بها فنَتعَبَّد. والأصل في الأَوامِر في غير العِبادة - كالآداب مثَلًا - للاستِحْباب، ومثل ذلك يُقال في النَّهيِ: هل هو للتَّحريم أو للكَراهة؟
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات وُقوع وَعْد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأنه حَقٌّ، ولا بُدَّ أن يَقَع؛ لقوله:{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} وهذه جُمْلة مُؤكِّدة بـ {إِنَّ} تَدُلُّ على أن وَعْد الله لا بُدَّ أن يَقَع، ووَعيده كذلِك حَقٌّ، ولا بُدَّ أن يَقَع، إلَّا أن يَمُنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى بالعَفْو، وإلَّا فالأصل أن وَعيده واقِع. لا يُقال كما يَقول بعض الناس: الوَعيدُ ليس بواقِع، وليس بحَقٍّ، وأمَّا الوَعْد فهو حَقٌّ، نَقول: كلُّه حَقٌّ، لكِن الوَعيد قد يَعفو الله -عَزَّ وَجَلَّ- عنه، والعَفو كرَم.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن وَعْد الله حَقٌّ ثابِت لا بُدَّ أن يَقَع، وهو كذلك، ولقد صرَّح الله بذلك في قوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: تَهديد هَؤلاءِ المُكذِّبين للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بأَحَد أمرَيْن: إمَّا بعُقوبة عاجِلة قبل أن يُتوفَّى، وإمَّا بعُقوبة آجِلة في يوم القِيامة؛ لقوله: {فَإِمَّا