الأَرْض من الشَّجَر كان أقلامًا {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} يَعنِي: وكُتِب بالأقلام بمِداد البَحْر، قال:{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان: ٢٧] وهذا يَدُلُّ على عظَمة الربِّ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ لأنه مُدبِّر الكون، وإذا أَراد أَمْرًا فإنما يَقول له: كُنْ فيَكون، ولا مُنتَهَى لإرادة الله.
وهل قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- قول مَسموع بصَوْت، قول الله تعالى بصَوْت؛ لأن الله تعالى قال:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}[مريم: ٥٢]، ولا لداءَ ومُناجاةَ إلَّا بصَوْت، وورَد الصوت صريحًا فيما ثبَت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى يَقول:"يَا آدَمُ - يَوْمَ القِيَامَةِ - فَيَقُولُ: لبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ الله: أَخْرِجْ مِنْ ذُرِّيتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ. فَيُنَادِى بِصَوْتٍ: إِنَّ الله يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرَّيتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ. قالَ: يا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ ... " إلى آخِره (١). هذا صريح بأن الله يَتكلَّم بصَوْت.
وهنا في هذه المَسأَلةِ مَذاهِبُ، نَذكُر منها المَذاهِب المَشهورة الثلاثة:
الأوَّل: أنه يَتكلَّم بصَوْت مَسموع وحَرْف غير مخَلوق؛ لأنه كلامُه، وهذا مَذهَب السلَف وأئِمَّة الخلَف أن الله يَتكَلَّم بصَوْت مَسموع وحَرْف غير مَخلوق، فكَلامه -عَزَّ وَجَلَّ- هو اللَّفْظ والمَعنَى.
والقول الثاني: أن الله تعالى يَتكلَّم بصَوْت مَسموع وحَرْف مَخلوق، والكَلام كلامه، وهذا مَذهَب الجَهْمية الذين يَقولون: إن القُرآن كَلام الله ولكنه مخَلوق؛ لأن كل كَلام الله عِندَهم مَخلوق.
(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قصة يأجوج، ومأجوج، رقم (٣٣٤٨)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب قوله: يقول الله لآدم: أخرج بعث النار من كل ألف تسع مِئة وتسعة وتسعين، رقم (٢٢٢)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.