والثالِث: مَن يَقولون: إنه لا يَتكلَّم بصَوْت ولا بحَرْف مَخلوق، إنَّما كلامه هو المَعنى القائِم في نَفْسه، لكن يَخلُق شيئًا يُعبِّر عن هذا الذي في نَفْسه، فيُسمَع هذا المَخلوقُ، ويُضاف إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- إضافةَ تَكريم وتَشريف، وهذا مَذهَب الأشاعِرة الذين هُمْ أهل الكَلام.
والذين يَقولون: همُ الذين دافَعوا المُعتَزِلة عن الباطِل، وهمُ الذين انتَصَروا للإسلام، وهم في الحقيقة لا للإسلام انتَصَروا، ولا لحَرْب الإسلام كسَروا، بل قد نَقول: قولهم في الكَلام شَرٌّ من قول الجَهْمية؛ لأنهم اتَّفَقوا على أن ما يُسمَع من كَلام الله مَخلوق، وعلى أن القُرآن مخَلوق؛ لكن الجَهْمية يَقولون: مخَلوق، وهو كَلام الله. وهَؤلاء يَقولون: مَخلوقٌ، وليس كَلامَ الله، بل هو عِبارة عنه.
إِذَنْ: أين كَلامُ الله؟ قال: المَعنَى القائِم بنَفْسه، والحقيقة أن المَعنَى القائِم بالنَّفْس ليس كلامًا وإنما هو عِلْم، عِلْم بما سيُخلَق من كلام، فتقول: هذا هو كلامُه. والعَجيب أنهم استَدَلُّوا باَية وشِعْر نَظْم، أمَّا الآية فقالوا: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقول: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}[المجادلة: ٨] فأَثبَت القَوْل النَّفْسيَّ. أمَّا الشِّعْر فقالوا: إن الشاعِر قال:
فنَقول لهم: أمَّا الآية فلا دَلالة فيها لكم، بل هي على رُؤُوسكم؛ لأن الله تعالى
(١) البيت نسبه البعض إلى الأخطل، وليس في ديوانه، انظر: الموشى لأبي الطيب الوشاء (ص: ٨)، وتمهيد الأوائل لأبي بكر الباقلاني (ص: ٢٨٤)، والفصل في الملل والنحل للشهرستاني (٣/ ١٢٢)، ومجموع الفتاوى (٧/ ١٣٨).