للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن لا بُدَّ من آيات، آيات بَيِّنات واضِحة على أنه رَسولٌ، ومعَ هذا لا يُمكِن لرَسول أن يَأتِيَ بآية إلَّا بإِذْن الله.

وقوله: {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} الإِذْن الكَونيّ، فإذا أَذِن الله كَوْنًا أن يَأتِيَ الرسول بآية أَتى بآيَة، والرَّسول قد يَأتِي بآيَة ابتِداءً وقد يَأتِي بآيَة بطلَب من المُرسَل إليهم، كما قِيل: بل قد جاء في الحديث الصحيحِ: إِنَّ قُرَيْشًا قالوا للرَّسولِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: أَرِنا آيَةً. فأَشارَ إلى القَمَر، فانفَلَق فِلْقَتَيْن، إِحْداهُما على الصَّفا، والثانية على المَرْوةِ (١)، وشاهَدَ الناسُ ذلِكَ، ولكِن مع ذلك {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: ٢] قالوا: إن محُمَّدًا سحَرَنا، والقَمَر لم يَتصَدَّع، ولكن لمَّا لم يُعيِّنوا الآيةَ التي طلَبوها لم يُؤاخَذوا بالعِقاب؛ لأن الأُمَم إذا عيَّنوا الآية التي طلَبوها ثُم لم يُؤمِنوا عاجَلَهم الله بالعُقوبة.

وقوله: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ} {بِآيَةٍ} أي: عَلامة على صِدْقه {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} وهنا قال: (آية) ولم يَقُل: بمُعجِزة، وقد جَرَى على أَلسِنة كثيرٍ من العُلَماء -رحمهم الله- تَسمية آيات الأنبياء بالمُعجِزات، ولكن هذه التَّسْمية غير سَديدة، بل الأَوْلى أن نُعبِّر بآية، نَقول: آية النَّبيِّ، ولا نَقول: مُعجِزة؛ أوَّلًا لأن هذا هو التَّعبير القُرآنيُّ، وثانيًا لأن المُعجِزة تَأتِي من الرسول، وتَأتِي من الساحِر، وتَأتِي من الشَّياطِين، يَأتِي من هَؤلاء ما يَعجِز عنه البَشَر.

فالتَّعبير السَّليم أن نُعبِّر بآيَة:


(١) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي - صلى الله عليه وسلم - آية، رقم (٣٦٣٦)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب انشقاق القمر، رقم (٢٨٠٠)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>