للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَانِيَةَ عَشْرَةَ: التَّوسُّل إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بصِفاته، كما يُتوسَّل إليه بأسمائه، فهنا تَوسَّل المَلائِكة إلى الله بالرُّبوبية في قولهم: ({رَبَّنَا} وتَوسَّلوا إليه بسَعة الرحمة {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً}، وبسَعة العِلْم {وَعِلْمًا}، والتَّوسُّل إلى الله تعالى بصِفاته من أسباب إجابة الدُّعاء، كالتَّوسُّل إليه بأسمائه.

وهنا يَجدُر بنا أن نَتعَرَّض لمَعنى الوَسيلة وحُكْمها:

فالوَسيلة فِعْل ما يُوصِّل إلى المَقصود يُسمَّى وَسيلة، وربما نَقول: إنه تَناوَبَت فيه السين والصاد، وأن أَصْل الوَسيلة يَعنِي: الوَصيلة، وَصيلة بمعنى مُوصِلة، فهي فَعيل بمعنى مُفعِل.

والوسائِل لا بُدَّ أن تَكون مَعلومة: إمَّا بالشَرْع، وإمَّا بالحِسِّ، وإنَّما قُلتُ ذلك لدَفْع الوسائل المَوْهومة؛ كالذين يُعلِّقون على صدورهم أَشياءَ لم يَثبُت شَرْعًا ولا حِسًّا أنها مُفيدة، لكن على سبيل الوَهْم، أو الذين يُعلِّقون نُحاسًا أو خُيوطًا، أو ما أَشبَه ذلك، هذه وَسائِلُ للشِّفاء ادعوها، ولكنها حقيقة ليست وَسيلةً؛ لانتِفاء ثُبوت ذلك شَرْعًا وحِسًّا.

وإذا كانت الوَسيلة هي فِعْلَ ما يُوصِل إلى الشيء فالعِلْم بإيصال هذا إلى المَقصود - العِلْم بكونه مُوصِلًا - يَأتِي عن طريق الشرع، أو عن طريق الحِسِّ، فكون العسَل شِفاء وتَناوُله وَسيلة للشِّفاء، هذا علِمناه بطريق شَرعي، وربما حِسِّيٍّ أيضًا بعد التَّجرِبة، وكون السَّنَا محُرِّكًا للبطن مُسهِلًا له هذه وَسيلة حِسِّية، والسَّنَا باللغة العامِّية يُسمَّى السَّناوين، وهو أوراق شجَر مَعروف يُخمَّر بالاء ثُم يُشرَب على الرِّيق، فإذا شرِبه الإنسان على الرِّيق فإنه يُسهِله ويُنظِّف بَطْنه، وكان الناس يَستَعمِلونه كثيرًا قبل أن تَأتِيَ هذه الأَدْويةُ، يُسمَّى سنا مَكَّةَ، وله أسماءٌ مُخْتَلِفة.

<<  <   >  >>