للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنك صلَّيْت على إبراهيمَ، فتَوسَّل إلى الله بفِعْله، يَعنِي: كما منَنْت أوَّلًا على إبراهيمَ وآله فامنُنْ ثانيًا على محُمَّد وآله.

القِسْم الرابع: التَّوسُّل إلى الله تعالى بالإيمان بالله، وهذا من فِعْلك أنت، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} هذه الوَسيلةُ {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا}؛ أي: بسبَب ذلك اغفِرْ لنا {ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: ١٩٣]، هذا تَوسُّل إلى الله بالإيمان به.

القِسْم الخامِس: التَّوسُّل إلى الله بالعمَل الصالِح، لأنَّ العمَل الصالِح سبَب للمَثوبة، ومن المَثوبة حُصول ما دعَوْت به، ودليلُه: قِصَّة أصحاب الغار التي حدَّثَنا بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، أصحاب الغار ثلاثة، آواهُمُ المَبيت الليل، فلَجَؤُوا إلى غار فدخَلوا به، فتَدحْرَجت عليهم صَخْرة عظيمة من الجَبَل فسَدَّت عليهم بابَ الغار، ولم يَستَطيعوا أن يُزَحْزِحوها ولا مُغيثَ لهم إلَّا الله، ليس حولهم بشَر، فتَوسَّلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحِة، أحدُهم تَوسَّل إلى الله ببِرِّ والِدَيْه، والثاني تَوسَّل إلى الله بالعِفَّة التامَّة، والثالِث تَوسَّل إلى الله بالأمانة التامَّة، فبِرُّ الوالدين عمَل صالِح، والعِفَّة عمَل صالِح، والأمانة وأداء الأمانة عمَل صالِح، فلمَّا تَوسَّل الأوَّل منهم انفَرَجَت الصَّخْرة، لكن لا يَستَطيعون الخُروج، تَوسَّل الثاني فانفَرَجَت الصخرة، ولكن لا يَستَطيعون الخُروج، تَوسَّل الثالِث فانفَرَجَت الصخرة مرَّة واحِدة، فخرَجوا يَمشون.

هذا التَّوسُّل إلى الله بالعمَل الصالِح.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرًا فترك الأجير أجره، رقم (٢٢٧٢)، ومسلم: كتاب الرقاق، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، رقم (٢٧٤٣)، من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>