للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طَواغيتُ - باعتِبار الفاعِل يَعنِي: أنه طغَى فيها هي مَحَلُّ طُغيانه - ومَعنى كونِها طواغيتَ أنها مَحلُّ طُغيانه، وليسَت هي طاغِيةً. فعِيسى ابنُ مَريمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعبودٌ، لا نَقول: إنه طاغوت، لكنه مَحَلُّ طُغيان الذين عبَدوه، انتَبِهوا لهذه النُّقطةِ؛ لأن بعض الناس استَشكَل كلام ابن القَيِّم، وقال: كيف نَقول هذا الكَلامَ؟ إذن عِيسى طاغوتٌ؛ لأنه مَعبود، فممال: مُرادُه رَحِمَهُ اللَّهُ أن مَحلَّ الطُّغيان يَكون في المَعبود والمَتْبوع والمُطاع.

فإن قال قائِل: الله - عَزَّ وَجَلَّ - يَقول: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨] كيف عُبِد سيِّدُنا عيسى وغيرُه من الصالحِين؟

فالجَوابُ: قال الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: ٩٨ - ١٠١].

وعيسى مِمَّن سبَقتْ لهُمُ الحُسنى؛ ولهذا ضرَب الكُفَّار عِيسى مثلًا وقالوا لمَّا نزَلَتِ الآية: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قالوا: إِذَن عِيسى في النار جدَلًا، فأَنزَل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} مثل قوله: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف: ٥٨]، قال الله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: ٥٨]، وأَبغَضُ الرِّجالِ إِلَى الله الأَلدُّ الخَصِمُ.

فائدة: الفَترةُ وهي امتِداد بين عِيسى ومحُمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لحِكْمة؛ وذلك حتى يَعرِف الناس شِدَّة ضَرورتهم إلى الرِّسالة.

<<  <   >  >>