فإن قال قائِل: كيف يَصِحُّ ذلك وأكثَرُ بني آدَمَ كُفَّار، فأين الرحمة؟
فالجوابُ: هم مَرحومون بالرَّحْمة العامة، فمَن يُخرِج لهم النَّبات، مَن يُنزِل لهم المطَر، مَن يَجعَلهم أصِحَّاءَ، مَن يُمتِّعهم بالسَّمْع والبصَر إلَّا الله، وهذه رحمة، فرَحْمة الله وسِعَت كلَّ شيء.
ويَترتَّب على هاتين الفائِدَتَيْن: أنَّ الإنسان مَتى علِمَ ذلك تَعرَّض لرحمة الله؛ لعله يَكون من الداخِلين فيها، وإذا آمَن بسَعة عِلْم الله استَحْيَى من الله أن يَفقِده حيث أمَرَه، أو يَجِده حيث نَهاه، فلو قال لك أَبوك: يا بُنَيَّ لا تَفعَل كذا. فأنت إذا غاب أبوك ولكَ هَوًى فيه تَفعَله لا شكَّ؛ لأنه لا يَعلَم بك، فإذا كان يُشاهِدك لا تَفعَله. فالله - عَزَّ وَجَلَّ - لا يَغيب عنك، إِذَنْ لا تَفعَله لا في السِّرِّ ولا في الجهر إذا كان فيما نَهَى الله عنه، ولا تَتْرُكه إذا كان فيما أمَر به، ولهذا نَقول: لا يَفقِدُك الله حيث أمَرَك، ولا يَجِدك حيث نَهاك.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: فَضيلة التَّوْبة؛ حيث علقت المَلائِكَة بطلَب المَغفِرة بها فقالوا:{لِلَّذِينَ تَابُوا}.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أنَّ من تَحقيق التوبة اتِّباعَ سبيل الله؛ لقوله:{وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}؛ ولهذا نَجِد أنَّ الله تعالى يَقرُن دائِمًا مع التوبة ذِكْر العمَل الصالِح: {إِلَّا مَنْ