قوله:"جُهْدُ المُقِلِّ"؛ (الجهد) بضم الجيم: الطاقة والاستطاعة، و (المُقِلُّ): الفقير؛ يعني: أفضلُ الصدقة ما قَدرَ عليه الفقيرُ أن يعطيَه المسكينَ، والمراد بـ (المُقِل): الغني القلب.
والتوفيق بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام:"أفضل الصدقة ما كان عن ظَهر غِنًى": أنه يريد بهذا (المُقِل): الذي يصبر على الجوع، وإعطاء قُوته إلى الفقراء، وأراد بـ (الغني): الذي لا يصبر على الجوع والشدة، فمَن صبرَ على الجوع، وإعطاء قُوته، أو إعطاء ما فضل عن قُوت يومه إلى الفقراء فالإعطاءُ في حقِّه واختيارُ الجوعِ أفضلُ، كما مدحَ الله تعالى الأنصار - رضي الله عنهم - بقوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٩]؛ أي: جوعٌ وفقرٌ.
وقد جاء في تفسير هذه الآية: أن ضيفًا نزل برسول الله عليه السلام، ولم يكن في حُجراته شيءٌ من الطعام، فقال عليه السلام:"مَن يعطي هذا الضيفَ طعامًا؛ فإنه ليس عند آل محمد طعام؟ " فقال رجل: أنا يا رسولَ الله، فذهب إلى بيته ولم يكن في بيته من الطعام إلا قَدْرُ كَفَافِ واحدٍ، وكان له امرأةٌ وأولادٌ، فقال لامرأته: اجعلي أولادك مشغولين من الطعام بأن تحدِّثيهم حتى يناموا، ففعلَتْ، فنام أولادها، ثم قال لامرأته: أَسْرِجي عند الضيف سراجًا، وأَحضرِي الطعامَ عنده، فإذا وضعتِ الطعامَ عنده فقُومِي إلى السراج بحيث يظن الضيفُ أنك تُصلِحينَ السراجَ، ثم أَطفِئي السراجَ بحيث لا يدري الضيفُ، ثم نقعد أنا وأنت عند الضيف في الظلمة، ونُحول ونُدير ألسنتَنا في أفواهنا حتى يظنَّ أنَّا نأكلُ معه، ولا نأكلُ حتى يشبعَ الضيفُ، ففعلَتْ كما أمرَها زوجُها، فأكل الضيفُ حتى شبعَ، ونام المُضيفُ وزوجتُه وأولادُه على الجوع، فلما أصبحَ المُضيفُ ذهبَ إلى رسول الله عليه السلام، فضحكَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في