فإن ترك المبيت بمنى ليالي منى بغير عذر؛ لزمه في ليلة درهم، وفي ليلتين درهمان، وفي ثلاث ليال دم عند الشافعي، وقال مالك: يلزمه بكل ليلة دم، وقال أبو حنيفة: من ترك المبيت بمنى ليالي منى أثم ولا شيء عليه.
ويجوز لأصحابِ الأعذار أن يرموا جمرة العقبة يوم النحر، ويتركوا رمي اليوم الأول من أيام التشريق، ثم يرموا في اليوم الثاني من أيام التشريق رميَ يومِ الماضي ويوم الحاضر، يبتدئون بالرمي القضاء، ثم بالرمي الأداء.
* * *
١٩٣٣ - وعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جاءَ إلى السِّقايَة، فاسْتَسْقَى، فقال العبَّاسُ: يا فَضْلُ، اذْهَبْ إلى أُمِّكَ، فائْتِ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِشَرابٍ مَنْ عِنْدِها، فقال:"اسْقِني"، فقال: يا رسُولَ الله، إنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أيْدِيَهُمْ فِيهِ، فقال:"اسْقِني"، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وهُمْ يَسْقُونَ ويَعْمَلُونَ فيها، فقال:"اعْمَلُوا، فإنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صالِحٍ", ثُمَّ قال:"لولا أنْ تُغْلَبُوا لنَزَلْتُ حتَّى أَضَعَ الحَبْلَ على هذه"، وأشَارَ إلى عاتِقِهِ.
قوله:"اسْقِني"؛ أي: اسْقِني من هذه السِّقاية.
قوله - عليه السلام -: "اسقني" بعد ما قال العباس: "إنهم يجعلون أيديهم فيه": دليلٌ على أن الماء الطاهر لا يصير نجسًا بجعل الناس أيديهم فيه، حتى تُتَيقَّن نجاسةُ يد واحد من الذين غمسوا أيديهم في الماء، فحينئذ ينجس إن كان الماء دون القلتين، فإن كان قلتين لا ينجس إلا بالتغيير.
قوله:"لولا أن تُغْلَبُوا لنزلْتُ حتى أضَعَ الحبلَ على هذه"؛ يعني: قصدت أن أنزل من دابتي، وأضع الحبل على عاتقي، وأستقي الماء من زمزم وأسقي الناس، إلا أني خشيتُ إن فعلتُ هذا أن يرغبَ في استقاء الماء خلقٌ كثير