للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فسدَتْ فسدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب"، (المُضغة): قطعة لحم، مَثَلُ القلب كمَثَلِ فتيلة السِّراج؛ فالفتيلة تحتاج إلى أربعة أشياء: النار، والدُّهن، ونظافة المِسْرَجة، وهي الظَّرف الذي فيه الدُّهن والفتيلة، والرابع عدم المزاحم، فلو لم يكن على الفتيلة نارٌ لم يكن لها نورٌ، ولو كانت عليها نارٌ ولم يكن لها دهُنٌ ينطفئ نورُها عن قريبٍ، ولو كان لها نارٌ ودهُنٌ، ولكن يكون ظَرفُها ملوثًا بالوسخ والدُّرْدِي لا يكون نورُها على الكمال، ولو كان ظرفُها نظيفًا ولكن يكون لها مزاحمٌ - ونعني بالمزاحم: الريح - فإن كانت الريحُ شديدةً تُطفئ نورَها، وإن لم تكن شديدةً لا تُطفئها، ولكن تحرِّكها ويفرَّق نورُها، فلا يكون نورُها كاملًا، فإذا اجتمعت هذه الأشياءُ فقد كملَ نورُها، ويُنوَّر البيتُ، ورأى الحاضرون ما في البيت، وميزوا بين ما فيه النفعُ والتلذُّذُ من الأطعمة والثياب وغير ذلك مما في البيت، وبين ما فيه الضرُّ والهلاكُ كالحية والعقرب، وكشوكٍ وسكِّينٍ وسيفٍ واقعٍ في البيت، فيتمتَّعوا بما فيه النفعُ، واحترزوا عما فيه الضرُّ والهلاكُ، وإن لم يكن السِّراجُ لَمَا ميَّزوا بين النافع والضارَّ، فربما يضعُوا أقدامَهم على حيةٍ أو عقربٍ أو شوكٍ، فيهلكوا أو أصابهم مضرَّة ذلك.

فالقلبُ مِثْلُ الفتيلة، والصدرُ مِثْلُ المِسْرَجةِ، والإيمانُ مِثْلُ النارِ. والإتيانُ بالأوامر مِثْلُ الدُّهنِ، وحبُّ الدنيا وأكلُ الحرام والبغضُ والحسدُ والعداوةُ، وغير ذلك من المناهي مثلُ وسخِ المِسرَجة، والاعتقاداتُ الفاسدةُ مِثْلُ الريحِ، فإن كان الاعتقادُ شِرْكًا، أو تحريمَ حلالٍ، أو تحليلَ حرامٍ، أو إنكارَ واجبٍ يُطفِئ نورَ الإيمان بالكلية.

وإن كان الاعتقادُ بدعةً لا يُطفِئ نورَ الإيمان بالكلية، ولكن يَنقصُ نورَها، فإذا اجتمع للقلب نارُ الإيمان، ودُهنُ الإتيان بالأوامر، ونظافةُ مِسْرَجة الصدر عما لا يليق، وعدمُ مزاحم ريح الاعتقادات الفاسدة؛ فقد كملَ نورُ القلب،

<<  <  ج: ص:  >  >>