قال الخطابي: كما لا يجوز بيعُ الصنم لا يجوز بيعُ كلِّ شيءٍ مصوَّرٍ إذا كانت صورتُه مقصودةً، والشيءُ الذي فيه الصورةُ تبعًا للصورة، أما إذا كان المقصودُ ذلك الشيءَ الذي فيه لا الصورةَ يجوز بيعُه، مثل: آنيةٍ أو بابٍ أو بيتٍ فيها صورةُ حيوان، والمُحرَّم إنما هو تصويرُ صورة الحيوان، أما تصويرُ صورةِ غير الحيوان فلا بأسَ به (١).
قوله:"أرأيتَ شحومَ الميتة"؛ يعني: ما حكمُ شحومٍ تُذابُ ويُطلَى بها السُّفُنُ ويُصلَح بها الجلودُ لتصيرَ لينةً، ويَستصبح بها الناسُ، هل يجوز أم لا؟
فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا".
واعلم أنه مَن اشترى شحومَ الميتة لهذه الأشياء لا يجوز البتةَ، وإن كان له دابةٌ ميتةٌ، أو ألقى أحدٌ دابةً ميتةً فأخذ شحمَها وأذابَه وطَلَى أسفلَ سفينته أو جانبًا منها لا يَصِلُ إلى بدن الذي يركب تلك السفينةَ، ولا إلى ثيابه؛ يجوز، ويجوز الاستصباحُ بالدُّهن النَّجِس، ولا يجوز بيعُه.
قوله:"قاتَلَ الله اليهودَ! إن الله لمَّا حرَّم شحومَها أَجمَلُوها ثم باعوها، فأكلوا ثمنَها"، (القتل): اللعن، والقتل: هو القتل المعروف، وكلا المعنيَينِ محتملٌ هنا.
الضمير في (شحومها) يعود إلى غير المذكور هنا، والمراد منه: البقر والغنم، كما في قوله تعالى:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا}[الأنعام: ١٤٦]،
(١) قلت: في كلام الشارح - رحمه الله - غموض؛ لأنه نمل كلام الخطابي بالمعنى، قال الخطابي في "أعلام الحديث" (٢/ ٥٨٨): "ويدخل في النهي عنه - أي عن بيع الصور - كلُّ صورة مصورة في رَقٍّ أو قرطاسٍ أو نحوهما مما يكون المقصود منه الصورة وكان الظرف تبعًا له، فأما الصور المصورة في الأواني والقِصَاع فإنها تبعٌ لتلك الظروف بمنزلة الصور المصورة على جُدُر البيوت وفي السقوف وفي الأنماط والستور؛ فالبيع فيها لا يفسد"