النار، بل ربما يكون له حسنةٌ تُدفَع حسنتُه إلى الذي أكلَ مالَه، فتتبرأ ذِمتُه عن المظلمة، وربما يُرضي الله تعالى خصمَه بكرمه ورحمته، حتى لا يحتاج إلى دخول النار، وحينَئذٍ يكون تأويلُ هذا الحديث: أنه قال - صلى الله عليه وسلم - للزجر والتهديد.
روى هذا الحديثَ جابر.
* * *
٢٠٢٨ - عن الحسنِ بن عليٍّ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:"دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلى مالا يَرِيبُكَ، فإن الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وإنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ".
قوله:"دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك"، (أراب يُريب) و (راب يَرِيب): إذا أَوقعَ أحدًا في الشك، ولفظة (إلى) متعلقة بفعل محذوف؛ أي: اترك ما شككتَ فيه، واذهب إلى ما لا شك فيه؛ يعني: خُذْ ما أيقنتَه حسنًا وحلالًا، واتركْ ما شككت في كونه حسنًا أم قبيحًا، وفي كونه حلالًا أم حرامًا.
قوله:"فإن الصدقَ طمانينةٌ، وإن الكذبَ ريبةٌ"، (الطمأنينة): السكون، و (الرِّيبة): الشك والتهمة؛ يعني: إذا سمعتَ صدقًا يسكن قلبُك بذلك، وإذا سمعتَ كذبًا لا يستقرُّ ذلك الكلام في قلبك؛ يعني: خُذْ من الأفعال والأقوال والأموال ما اطمأنَّ قلبُك بكونه حقًّا، ودَعْ ما شككتَ في كونه حقًّا أم باطلًا.
* * *
٢٠٢٩ - عن وَابصَةَ بن مَعبدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يا وَابصَةُ! جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ البرِّ والإِثْمِ"؟، قلتُ: نَعَمْ، قال: فَجَمَعَ أَصابعَهُ فَضَرَبَ بها صَدْرَهُ وقال: "اِسْتَفْتِ نفسَكَ واَسْتَفتِ قَلْبَكَ، ثلاثًا، البرُّ ما اَطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ نفسُك واَطْمَأَنَّ إلَيْهِ قلبُك، والإثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ وإنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ".