قوله:"فجمع أصابعَه فضرب بها صدرَه"، الضميران يعودان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أشار إلى صدره وقال: يا وابصةُ! فما سَكَنَ قلبُك على أنه حقٌّ فخُذْ؛ فإن في سكون القلب علامةَ كونِ ذلك الشيء حقًّا، وما شككت في كونه حقًّا أم باطلًا فاتركْه، "وإن أفتاك الناس"؛ أي: وإن قال لك الناس: إنه حقٌّ فلا تأخذْ بقولهم، فإن بعضَ الناس يُوقِع بعضًا في الغلط وفي أكل الشُّبهة وفي أكل الحرام.
مثال هذا: أن المفتي يفتي بأن كلَّ مالٍ لم يُتيقَّن كونُه حرامًا جازَ لك أكلُه، فإن ترى رجلًا له مالٌ حلالٌ وحرامٌ فلا تأكلْ من ماله شيئًا، وإن أفتاك المفتي؛ من خوف أن تأكلَ الحرامَ؛ لأن الفتوى غيرُ التقوى، فإن الفتوى: الحكم على ظاهر الأشياء، والتقوى: الاحتياط في الأمور بأن يجتنبَ الرجلُ من الشُّبهاتِ، أو يعدل عنها إلى ما يَتيقَّن كونَه حلالًا.
قوله:"استفتِ"؛ أي: اطلبِ الفتوى.
قوله:"حاكَ"؛ أي: تردَّد، من (حاكَ يَحِيكُ): إذا تردَّد شيء في القلب، ولم يستقرَّ القلب عليه.
* * *
٢٠٣٠ - عن عَطِيَّة السَّعْدِيِّ - رضي الله عنه - أنّه قال، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ حتَّى يَدَعَ ما لا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ بَأْسٌ".
قوله:"حتى يَدَعَ ما لا بأسَ به حذرًا لِمَا به بأسٌ"؛ يعني: حتى يتركَ ما ليس به إثمٌ؛ من خوف أن يقع فيما فيه إثمٌ، فإن المتقي يترك بعضَ الحلالات من خوف أن يقع في الشُّبهة، ويتركُ الشُّبهةَ من خوف أن يقع في الحرام، ويتركُ التكلُّم ببعض المباحات من خوف أن يتكلم بفحشٍ أو كذبٍ، ويترك روايةَ