للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الدهر، أو مصرَّف الدهر - فحذف (خالق) أو (مصرف) وما أشبه ذلك، وأقيم (الدهر) مقامه - يؤذيني ابن آدم بشتمه الدهر بسبب فقرٍ وقحطٍ ومرضٍ وما أشبه ذلك من مكروهاتٍ تصيبه، وأنا خالقُ الدهر ومقلِّبُ الليلِ والنهار، فما أصابه أصاب مني لا من الدهر؛ لأن الدهر مخلوقٌ ومسخَّرٌ لا يقدر على إيصال نفعٍ وضر، بل النفعُ والضرُّ والغنى والفقر والصحة والمرض والحياة والممات كلُّها بقضائي وقدري، فمَن شتم الدهر فقد شتمني؛ لأنَّ مَن عاب مصنوعًا عاب صانعه.

فإن قيل: هذه الأحاديث تدل على أنه لا يحدث فعلٌ ولا قولٌ ولا نفعٌ ولا ضرٌّ ولا غيرُ ذلك مما يحدث إلا بقضاء الله تعالى وقَدَرِه، وإذا كان كذلك فلمَ يَعيبون الكفار على كفرهم والعصاةَ على عصيانهم؟

قلنا: ليس الأمر كما يُظن، بل ما يجري في العالم قسمان:

أحدهما: ما يجري على شيءٍ ليس له اختيارٌ فيما يصدرُ منه، كمرور الليل والنهار، ونزول المطر، والنفع والضر، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والخسران والبرودة، والريح الطيبة وغير الطيبة، وتحرك الشجر، وغير ذلك مما لا اختيار له، فلا يجوز أن يعيب أحدٌ شيئًا من هذه الأشياء.

والقسم الثاني: ما يصدر ممن له اختيارٌ وكسبٌ، كالجن والإنس وغيرِهم ممَّن له اختيارٌ، فهؤلاء مثابون بخيرٍ يصدر منهم ويعاقبون بشرٍّ يصدر منهم؛ لأن لهم اختيارًا واكتسابًا، فيجوز أن يعيب أحدَ هؤلاء أحدٌ على فعلهم القبيح ومخالفتهم الأنبياء والكتب، إلا أن القضاء والقدر من الله تعالى والفعل من العباد ولهم اختيارٌ، وبحث هذه المسألة طويلٌ ليس هذا موضعه.

* * *

٢٠ - وقال: "قال الله تعالى: أَنا أغنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّرْكِ، مَنْ عمِلَ عَملًا أشركَ فيه معِي غيْري؛ تركتُهُ وشِرْكَهُ"، رواه أبو هُريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>