٢٢٣٠ - وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "العائدُ في هِبَتِه كالكلبِ يعودُ في قَيْئِهِ، ليسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ".
قوله:"ليس لنا مثل السوء"؛ يعني: لا يجوز لأمتي أن تهب شيئًا ثم ترجعَ فيه، فيكون مَثَلُه كمَثَل كلبٍ يقيء ثم يأكله، وهذا مثلُ سوء، ولا يختر أحدٌ مَثَلَ السوء لنفسه.
* * *
٢٢٣١ - عن النُّعمانِ بن بشيرٍ: أنَّ أباهُ أتَى بهِ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نَحَلْتُ ابني هذا غُلامًا، فقال:"أَكُلَّ وَلَدِك نحلْتَ مثلَه؟ " قال: لا، قال:"فارجِعْه". ورُوِيَ أنَّه قال:"أَيَسُرُّكَ أنْ يكونوا إليك في البرِّ سواءً؟ " قال: بلى، قال:"فلا إذًا". ويُروى أنه قال:"فاتَّقوا الله واعدِلُوا بينَ أولادِكم". ويُروى أنه قال:"لا أَشهدُ على جَوْرٍ".
قوله:"أكلَّ ولدك نحلت مثله، قال: لا، قال: فارجعه"، نحلت؛ أي: أعطيت.
قوله:"فارْجِعْه"؛ أي: اسْتَرِدَّ الغلامَ الذي أعطيت هذا؛ لأنك لو أعطيت بعض أولادك ولم تعط الباقين؛ لوقع في خواطرهم لك بغضٌ، ووقع بين أولادك بغضٌ وعداوة، وما هو سبب حصول العداوة والبغض لا يجوز، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إرشادٌ وتنبيهٌ على ما هو أَوْلى وأقرب للتقوى.
أما لو فعل أحدٌ هذا؛ يعني: أعطى بعض أولاده شيئًا دون الباقين، فقد صحَّت العطية، ولم يكن له إثم، وبهذا قال أكثر العلماء؛ لأنه يجوز للرجل أن يهب في صحته جميع ماله من أجنبيٍّ، فإذا صح من الأجنبي يصحُّ من الولد.