النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فدخلَ حينَ بني عليَّ، فجلسَ على فراشي، فجعلَتْ جُوَيرياتٌ لنا يَضرِبن الدُّفَّ ويندُبن مَن قُتِلَ من آبائي يومَ بدرٍ، إذ قالت إحداهُنَّ:
وفينا نبيٌّ يعلمُ ما في غدٍ
فقال:"دَعي هذه وقُولي ما كنتِ تقولينَ".
قوله:"عن الرُّبَيع بنت مُعوِّذ بن عفراء: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جاء، فدخل حين بني عليَّ، فجَلس على فراشي"، (بني عليَّ) علي بناء المجهول؛ أي: سُلَّمتُ وزُفِفتُ إلى زوجي.
"فجعلت جُوَيرياتٌ"؛ أي: طَفِقْنَ "يَضربن الدف"، وهذا دليلٌ على جواز ضربَ الدُّفِّ عند النكاح والزَّفاف.
"ويَندُبن مَن قُتل من آبائي"، (النَّدْب): عدُّ خِصال الميت؛ يعني: يَصفْنَ شجاعةَ آبائي، ويَقُلْنَ مرثيتَهم عند ضرب الدُّفِّ، وهذا دليلٌ على أن التكلمَ بشعرٍ وكلامٍ ليس فيه فحشٌ وكذبٌ جائزٌ.
قوله:"إذ قالت إحداهنَّ: وفينا نبيٌّ يَعلمُ ما في غدِ"؛ يعني: قالت إحداهنَّ في أثناء ضرب الدُّفِّ هذا الكلامَ، وهو قولها: وفينا نبيٌّ يَعلمُ ما في غد؛ يعني: يُخبر عن الزمان المستقبل، فيكون كما أَخبرَ، فمنعَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن التكلم بهذا الكلام، وقال:"دعي هذه"؛ أي: اتركي هذه الحكايةَ أو القصةَ، "وقولي ما كنت تقولين"؛ أي: قُولي ذكرَ المقتولين.
وعلَّةُ نهيه - صلى الله عليه وسلم - تلك الجاريةَ عن التكلم بقولها:(وفينا رسولُ الله يَعلمُ ما في غد): أنه - صلى الله عليه وسلم - كرهَ أن يقولَ أحدٌ: إنه - صلى الله عليه وسلم - يَعلمُ الغيبَ مطلقًا؛ لأنَّ الغيبَ لا يَعلمُه إلا الله، بل يجب أن يُقال: يَعلمُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الغيب ما أَخبرَه الله به.
ويُحتمَل أن تكونَ كراهيته ذلك الكلام أن وصفَه - صلى الله عليه وسلم - في أثناء ضربِ الدُّفِّ، وفي أثناء مَرثيةِ أولئك المقتولين لا يليق بمنصبهِ - صلى الله عليه وسلم -، بل هو أجلُّ