وهذا دليلٌ على أنَّ القاضي إذا حكمَ بظاهر الشَّرع، لا يجوز التجسسُ عن الباطن، وإن كان هناك قرينةٌ تدلُّ على كذب المُدَّعِي أو المُدَّعَى عليه.
* * *
٢٤٦٨ - وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال سعدُ بن عُبادةَ: لو وَجدتُ معَ أهلي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حتَّى آتيَ باربعةِ شهداءَ!؟ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، قال: كلا والذي بعثَكَ بالحقِّ، دمانْ كُنْتُ لأُعَاجِلُه بالسَّيفِ قبلَ ذلكَ، قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسمَعُوا إلى ما يقولُ سَيدُكم، إنه لَغَيُورٌ وأنا أَغْيَرُ مِنه، والله أَغْيَرُ منِّي".
قوله:"لم أمسَّه"؛ أي: لم أضربْه، ولم أقتلْه، حرفُ الاستفهام هنا مقدرةٌ، تقديره: ألم أمسَّه؟
قوله:"والله أغيرُ مني"، (الغَيرة): أن يَكرهَ ويَغضبَ الرجلُ الشَّركة في حقِّه؛ يعني: يَكرهُ ويَغضبُ أن يَتصرَّفَ غيرُه في مُلكِهِ، هذا هو الأصل، والمشهور عند الناس: أن يَغضبَ الرجلُ على مَن فعلَ بامرأته أو بقريب له فاحشة، أو نظر إليها، وفي حقِّ الله تعالى: أن يَغضبَ على مَن فعل مَنهيًّا.
* * *
٢٤٦٩ - وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحدَ أَغْيَرُ مِن الله، فلذلكَ حرَّمَ الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بَطَنَ، ولا أحدَ أحبُّ إليه المِدْحَةُ مِن الله، فلذلكَ مَدَحَ نفسَه".
وفي روايةٍ:"ولا أحدَ أحبُّ إليهِ المِدْحَةُ مِن الله - عَزَّ وَجَلَّ -، ومِن أجلِ ذلكَ وعدَ الله الجَنَّةَ، ولا أحدَ أحبُّ إليه العُذرُ مِن الله تعالى، من أجلِ ذلكَ بعثَ المُنذِرينَ والمُبَشِّرين".