(يكب) بفتح الياء: فعل مضارع معروفٌ، و (الناس) مفعوله، و (الحصائد) فاعلُه؛ يعني: لا يُلقي أحدًا في النار إلا ما يجري على لسانه من الكلام القبيح، من الكفر والقذف والشتم والغيبة والبهتان، والحديث مع المرأة الأجنبية بالشهوة وغيرِ الشهوة.
فإن قيل: قوله عليه السلام: "هل يكب الناس؟ " استفهامٌ بعده كلمةُ (إلا)، والاستفهام إذا كان بعده لفظة (إلا) يكون بمعنى النفي، فيكون معنى هذا الكلام نفيُ دخول النار عمَّن حفظ لسانه عمَّا به إثم، فما تقولون فيمَن حفظ لسانه عن السوء وترك ركنًا من الأركان، أو فعل فعلًا قبيحًا، من غير أن يتكلم باللسان شيئًا قبيحًا، فهل يدخل النار أم لا؟.
قلنا: لم يقل النبي عليه السلام هذا الكلام لنفي دخول النار عمَّن حفظ لسانه عن السوء وإثباتِ دخول النار لمن لم يحفظ لسانه عن السوء ونفي دخول الجنة عنه، بل إنما قال رسول الله عليه السلام هذا الكلام؛ لأن أكثر الناس دخولًا النار يكون بسبب اللسان، وإذا فكرت وجربت الناس لم تجد أحدًا حفظ لسانه عن السوء ويصدر منه شيء يوجب دخوله النار إلا نادرًا، فإذا كان كذلك فيكون حكم رسول الله بهذا الحكم على الأغلب والأكثر.
* * *
٢٩ - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أحبَّ لله، وأبغضَ لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكملَ الإِيمانَ"، رواه أبو أُمامة - رضي الله عنه -.
قوله:"فقد استكمل الإيمان"، (استكمل) بمعنى: كمل، يعني:"من أحب" أحدًا يحبه "لله" لا لحظَّ نفسه، "و" من "أبغض": أحدًا يبغضه "لله" بأن يكون فيه كفر أو معصية وهو لا يقبل النصيحة، ولا يبغض أحدًا لأجل نفسه بأن يؤذيه ذلك الأحد، "وأعطى لله"؛ يعني: يعطي ما يعطيها لرضا الله وطلبِ ثوابه،