الله تعالى فيهم هذه الآية؛ يعني: قلتم كلمة الشهادة ولم توافق قلوبُكم ألسنتَكم، فقد بيَّن أن الإيمان تصديقُ القلب ولم يكن لهم هذا، وبيَّن أن الإسلام الإقرارُ باللسان بكلمتي الشهادة.
والمختار هذا القول، كما أجاب رسول الله عليه السلام جبريلَ عليه السلام في أول هذا الباب، فذكر أن الإيمان تصديقُ القلب واعترافهُ بالإيمان بالله تعالى وملائكتِه ... إلى آخر الكلمات، وذكر أن الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة ... إلى آخر الكلمات، وقد مر بحثُ الإيمان والإسلام في ذلك الحديث على الاستقصاء.
قوله:"والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله تعالى" يعني: المجاهد ليس مَن قاتل الكفار فقط، بل المجاهدُ مَن حارب نفسه وحملها وأكرهها على طاعة الله تعالى؛ لأن نفس الرجل أشدُّ عداوةً معه من الكفار؛ لأن الكفار أعداؤه ونفسَه عدوُّه، ولكن الكفار أبعد منه ولا يتفق تلاحُقُهم وتَقَابلهم به إلا حينًا بعد حين، وأما نفسُه أبدًا تلازمه وتقاتله وتمنعُه عن الخير والطاعة، ولا شك أن القتال مع العدو الذي يلازم الرجل أهمُّ من القتال مع العدوِّ الذي هو بعيدٌ منه، كما قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}[التوبة: ١٢٣]، و (يلونكم): أصله: يليونكم: من (ولي) نُقلت ضمة الياء إلى اللام وحذفت الياء لسكونها وسكون واو الجمع، ومعنى (يلونكم): يقربونكم؛ يعني: ابدؤوا بقتالِ مَن كان بلده أقربَ منكم من الكفار، فإذا فرغتم من الأقرب فقاتلوا الأبعد.
و (فضالة) بفتح الفاء: اسم جد نافذ بن قيس بن صهيب، وكنيةُ فضالة: أبو محمد، وهو الأنصاري.