٣٣ - قال عبد الله بن مَسْعود - رضي الله عنه -: قال رجلٌ: يا رسولَ الله! أيُّ الذنبِ أكبرُ عند الله؟ قال:"أنْ تدعُوَ لله ندًّا وهو خلَقكَ"، قال: ثمَّ أيُّ؟ قال:"ثم أنْ تقتُلَ ولدكَ خشيةَ أنْ يَطعمَ معكَ"، قال: ثم أيٌّ؟ قال:"ثم أنْ تُزانيَ حَلِيلَةَ جارِكَ"، فأنْزلَ الله تَصْدِيقَها:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية.
قوله:"أي الذنب أكبر؟ "، (الذنب): الفعل الذي يستحق فاعلهُ المَلامةَ والتعذيب، ويطلق على الكفر وعلى غير الكفر من المعاصي؛ لأن فاعل الكفر والعصيان يستحقُّ التعذيب، و (أي) في (أي الذنب أكبر) للاستفهام.
قوله عليه السلام:"أن تدعو لله ندًا وهو خلقك"، (الند): المِثْل، والواو في (وهو خلقك) للحال؛ يعني: أكبر الذنب الشركُ بالله، وهو أن تعدل لله شريكًا وتعبد أحدًا غير الله مع علمك بأنه لم يخلقك أحدٌ غير الله ولم يقدر أحد على أن يخلق شيئًا، ولم يرزقك ولم يدفع عنك المرض والسوء والفقر والجوع والعطش غير الله، ولم يعطك الأعضاء الصحيحة والمال والقوة وغير ذلك من أنواع النعم غير الله، بل لله الإنعامُ عليك ما لا تقدر على عدِّه من النعم، وليس لصنمٍ ووثنٍ نعمةٌ، فلا شك أن عبادة أحدٍ مع الله تعالى - مع أنه لا يستحقُّ الألوهية - وعبادةَ غيرِ الله كفرٌ، والكفر أكبر الذنوب؛ لأنه لا يخلِّص صاحبه من النار أبدًا، وصاحبُ المعاصي غيرِ الكفر يخلص من النار وإن طال مكثه في النار.
قوله:"ثم أيٌّ": التنوين في (أي) عوضٌ عن المضاف إليه، وأصله: ثم أيُّ شيء من الذنوب أكبر بعد الكفر؟ فقال رسول الله عليه السلام:"أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" يعني: لا خلاف في أن أكبر الذنوب بعد الكفر قتلُ نفسٍ مسلمةٍ بغير الحق.