للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المنذر، وكان مُناصِحًا لهم؛ لأنَّ عيالَه ومالَه في أيديهم، فبعثَه إليهم، فقالوا له: ما ترى؟ هل ننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح؛ يعني: إن تَنزلوا على حكم سعد تُقتَلوا، قال أبو لُبابة: فما زالتْ قدماي حتى علمتُ أني قد خنتُ الله ورسولَه - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧]، فشدَّ نفسَه على ساريةٍ من سَواري المسجد وقال: والله لا أذوقُ طعامًا ولا شرابًا - يعني: أموت - أو يتوبَ الله عليَّ، فمكث سبعةَ أيام حتى خرَّ مغشيًّا عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل له: قد تِيب عليك، فحُلَّ نفسَك، فقال: لا، والله لا أحلُّها حتى يكونَ رسولُ الله هو الذي يحلُّني، فجاءه، فحلَّه بيده، فقال: إنَّ من تمامِ توبتي أن أهجرَ دارَ قومي ... إلى آخره، ذكرَه مولانا وسيدُنا صفيُّ الدِّين - رحمه الله - في "تفسيره".

* * *

٢٥٨٠ - عن جابرِ بن عبدِ الله - رضي الله عنه -: أنَّ رجلاً قالَ يومَ الفتحِ: يا رسولَ الله! إني نذرتُ إنْ فتحَ الله عليكَ مكَّةَ أنْ أُصلَيَ في بيتِ المَقْدسِ ركعتينِ، فقالَ: "صلِّ ههنا"، ثم أَعادَ عليهِ فقال: "صل ههنا"، ثم أَعادَ عليهِ فقالَ: "شَأنُكَ إذًا".

قوله: "شأنَك إذًا"، (شأنَك): نُصب على المفعول به، تقديره: الزَمْ شأنَك، (إذًا): جوابٌ وجزاءٌ لمُقدَّرٍ هنا، تقديره: فإذا فعلتَ الصلاةَ هناك فقد جازيتَ شرطَك النذر، وجوابٌ لقوله: نذرتُ هناك، فكيف تأمرُني ها هنا؟! فأجابه بإجابة ذلك؛ أي: افعلْ ذلك.

وقوله: (شأنَك) فيه نوعٌ من الرمز، يشير إلى أنَّ الصوابَ ما فاته، وهو أنَّ النذرَ والوفاءَ به عبادةٌ، والصلاةُ عبادةٌ، ومكةُ أفضلُ من بيت المَقدس، فيكون أداءُ العبادة فيها أكملَ، فلما نبَّهه على الأكمل ولم يَقبلْه، وَكَلَ ذلك إلى شأنه وخيَّرَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>