له، وهذا من كرامات الأولياء، وفيه دليلٌ على وجود ذلك لقوله:(لأَبرَّه)، وفيه دليلٌ على توقير عباد الله وتعظيمهم الله ولو كانوا فقراء خاملين.
* * *
٢٥٩٩ - وعن أبي جُحَيْفَةَ قال: سألتُ عليًا هل عِندَكم شيءٌ ليسَ في القرآنِ؟ فقال: والذي فلقَ الحبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ما عِندَنا إلا ما في القرآنِ، إلَّا فَهْمًا يُعطَى رجلٌ في كتابهِ، وما في الصَّحيفةِ! قلتُ: وما في الصَّحيفةِ؟ قال: العقلُ، وفِكاكُ الأسيرِ، وأنْ لا يُقْتَلَ مُسلمٌ بكافرٍ.
قوله:"والذي فلَق الحبةَ وبرأَ النسمةَ! ما عندنا إلا ما في القرآن"، الواو في (والذي): واو القسم، و (ما عندنا): جواب القسم، (فلق): إذا شقَّ، و (برأ): إذا خلق، (النسمة): النفس والروح، كأنه قال: والذي خلقَ الرزقَ والمرزوقَ، وهذا مبالغةٌ في الحَلف، وإنما بالَغَ في الحَلف في سؤال السائل درءًا لتوهُّم مَن يتوهَّمُ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خصَّ أهلَ بيته بشيء من العلوم، وحلف وقال:"ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فَهْمًا يُعطَى رجل"؛ يعني: ما عندنا غيرُ ما في القرآن، لكن الناس متفاوتون في الفهم والإدراك واستنباط المعاني، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنا قاسمٌ، والله يُعطي"؛ يعني: أنا مُبلَّغ للوحي السماوي إلى جميعهم من غير فرق, لكن الله سبحانه يُعطي الفهمَ مَن يشاء، ثم ذكر ما في الصحيفة التي كانت مُعلَّقةً بحمالة سيفه؛ إمَّا تورُّعًا واحتياطًا في يمينه، وإمَّا أن يكونَ منفردًا بسماع ذلك إن قيل: ما في الصحيفة أكثر مما في هذا الحديث؛ لأنه إذا سُئل عما فيها قال:"لعنَ الله مَن غيَّر مَنَارَ الأرض، لعنَ الله مَن تولَّى غيرَ مَواليه".
قيل: إذا ثبت هذا يُحتمَل أنه حدَّث بجميع ما فيها ونسي الراوي غيرَ ما في هذا الحديث، أو حدَّث بمجالسَ متفرقةٍ، ويُحتمَل أنه اقتصر على ما في هذا الحديث في ذلك الوقت.